التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
١٢
-لقمان

تفسير القرآن

أخبرنا الحسين بن محمد عن (القصير ط) المعلى بن محمد عن علي بن محمد عن بكر بن صالح عن جعفر بن يحيى عن علي بن النضر عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت جعلت فداك قوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة } قال أوتي معرفة إمام زمانه.
وقوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد } فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عزَّ وجلَّ، فقال: أما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنه كان رجلاً قوياً في أمر الله متورعاً في الله ساكتاً سكيناً عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستعيراً بالعبر لم ينم نهاراً قط ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره وعمق نظره وتحفظه في أمره ولم يضحك من شيء قط مخافة الاثم، ولم يغضب قط ولم يمازح إنساناً قط ولم يفرح بشيء إن أتاه من أمر الدنيا ولا حزن منها على شيء قط، وقد نكح من النساء وولد له من الأولاد الكثيرة وقدم أكثرهم إفراطاً، فما بكى على موت أحد منهم، ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما ولم يمض عنهما حتى يحابا، ولم يسمع قولاً قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء، وكان يغشي القضاة والملوك والسلاطين، فيرثي للقضاة ما ابتلوا به ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان فكان يداوي قلبه بالفكر ويداوي نفسه بالعبر وكان لا يظعن إلا فيما ينفعه فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة، فإن الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقايلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: إن أمرني الله بذلك فالسمع والطاعة لأنه ان فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني وإن هو خيرني قبلت العافية فقالت الملائكة يا لقمان لم قلت ذلك؟ قال: لأن الحكم بين الناس من أشد المنازل من الدين وأكثرها فتناً وبلاء‌اً ما يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان وصاحبه فيه بين أمرين ان أصاب فيه الحق فبالحري أن يسلم وان اخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلاً وضعيفاً كان أهون عليه في المعاد أن يكون فيه حكماً سرياً شريفاً، ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه ولا تدرك تلك، قال فتعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه، فلما أمسى وأخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قربه إلى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاء‌اً فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه، وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويثبتها فيها.
قال: فلما أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله الخلافة في الأرض وابتلي فيها غير مرة وكل ذلك يهوي في الخطأ يقبله الله ويغفر له، وكان لقمان يكثر زيارة داود عليه السلام ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه وكان داود يقول له: طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية وأعطي داود الخلافة وابتلي بالحكم والفتنة.