التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ
١٠٢
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
١٠٣
وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ
١٠٤
قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٠٥
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ
١٠٦
-الصافات

تفسير القرآن

قوله: { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } [102] قال: فإنه حدثني أبي عن فضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام إن إبراهيم عليه السلام أتاه جبرائيل عند زوال الشمس من يوم التروية فقال: يا إبراهيم أرتوي من الماء لك ولأهلك ولم يكن بين مكة وعرفات ماء فسميت التروية بذلك، فذهب به حتى انتهى به إلى منى فصلى به الظهر والعصر والعشائين والفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج إلى عرفات فنزل بنمرة وهي بطن عرفة فلما زالت الشمس خرج وقد اغتسل، فصلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين وصلى في موضع المسجد الذي بعرفات وقد كانت ثمة أحجار بيض فأدخلت في المسجد الذي بني ثم مضى به إلى الموقف فقال: يا إبراهيم اعترف بذنبك وأعرف مناسكك فلذلك سميت عرفة، فأقام به حتى غربت الشمس ثم أفاض به فقال: يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام فسميت المزدلفة وأتي به المشعر الحرام فصلى به المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ثم بات بها حتى إذا صلى بها صلاة الصبح أراه الموقف ثم أفاض إلى منى فأمره فرمى جمرة العقبة عندها ظهر له إبليس لعنه الله.
ثم أمره الله بالذبح فإن إبراهيم عليه السلام حين أفاض من عرفات بات على المشعر الحرام وهو فزع فرأى في النوم أن يذبح ابنه إسحاق وقد كان إسحاق حج بوالدته سارة فلما انتهى إلى منى رمى الجمرة هو وأهله وأمر أهله فسارت إلى البيت واحتبس الغلام فانطلق به إلى موضع الجمرة الوسطى فاستشار ابنه وقال كما حكى الله { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى } فقال الغلام كما حكى الله امض كما أمرك الله به { يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } وسلما لأمر الله، وأقبل شيخ فقال: يا إبراهيم ما تريد من هذا الغلام؟ قال: أريد أن أذبحه فقال: سبحان الله! تذبح غلاماً لم يعص الله طرفة عين! فقال إبراهيم: إن الله أمرني بذلك فقال ربك ينهاك عن ذلك وإنما أمرك بهذا الشيطان، فقال له إبراهيم ويلك إن الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي أمرني به والكلام الذي وقع في أذني فقال لا والله ما أمرك بهذا إلا الشيطان فقال إبراهيم لا والله لا أكلمك ثم عزم إبراهيم على الذبح، فقال يا إبراهيم إنك إمام يقتدى بك وإنك إن ذبحته ذبح الناس أولادهم فلم يكلمه وأقبل إلى الغلام فاستشاره في الذبح فلما أسلما جميعاً لأمر الله قال الغلام يا أبت خمر وجهي وشد وثاقي فقال إبراهيم يا بني الوثاق مع الذبح لا والله لا جميعهما عليك اليوم فرمى له بقرطان الحمار ثم أضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على حلقه ورفع رأسه إلى السماء ثم انتحى عليه المدية فقلب جبرائيل المدية على قفاها واجتر الكبش من قبل ثبير وأثار الغلام من تحته ووضع الكبش مكان الغلام ونودي من مسيرة مسجد الخيف { أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين } [104-106].
قال: ولحق إبليس بأم الغلام حين نظرت إلى الكعبة في وسط الوادي بحذاء البيت فقال لها شيخ رأيته، قالت: إن ذلك بعلي قال فوصيف رأيته معه فقالت: ذاك ابني قال: فاني رأيته وقد أضجعه وأخذ المدية ليذبحه! فقالت: كذبت إن إبراهيم أرحم الناس كيف يذبح ابنه قال: فورب السماء والأرض ورب هذا البيت لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية، فقالت: ولم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قالت فحق له أن يطيع ربه فوقع في نفسها أنه قد أمر في ابنها بأمر فلما قضت مناسكها أسرعت في الوادي راجعة إلى منى وهي واضعة يدها على رأسها تقول يا رب لا تؤاخذني بما عملت بأُم إسماعيل، قلت: فأين أراد أن يذبحه؟ قال: عند الجمرة الوسطى قال: ونزل الكبش على الجبل الذي عن يمين مسجد منى نزل من السماء وكان يأكل في سواد ويمشي في سواد أقرن، قلت: ما كان لونه؟ قال كان أملح أغبر.
قال: وحدثني أبي عن صفوان بن يحيى وحماد عن عبد الله بن المغيرة عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألناه عن صاحب الذبح، فقال إسماعيل وروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: أنا ابن الذبيحين يعني: إسماعيل وعبد الله بن عبد المطلب فهذان الخبران عن الخاصة في الذبيح قد اختلفوا في إسحاق وإسماعيل وعبد الله وقد روت العامة خبرين مختلفين في إسماعيل وإسحاق فناداه الله عز وجل: { قد صدقت الرؤيا } الآية قال أنه لما عزم إبراهيم على ذبح ابنه وسلما لأمر الله قال الله:
{ { إني جاعلك للناس إماماً } [البقرة: 124] فقال إبراهيم: { { ومن ذريتي } [البقرة: 124] فقال: { { لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة: 124] أي: لا يكون بعهدي إمام ظالم.