التفاسير

< >
عرض

وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ
٣٨

تفسير القرآن

{ وآخرين مقرنين في الأصفاد } يعني: مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض وهم الذين عصوا سليمان عليه السلام حين سلبه الله عز وجل ملكه.
وقال الصادق عليه السلام: جعل الله عز وجل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا لبسه حضرته الجن والإِنس والشياطين وجميع الطيور والوحش وأطاعوه فيقعد على كرسيه وبعث الله عز وجل رياحاً تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين والطير والإِنس والدواب والخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان عليه السلام، وكان يصلي الغداة بالشام ويصلي الظهر بفارس، وكان يأمر الشياطين أن تحمل الحجارة من فارس يبيعونها بالشام، فلما مسح أعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه الله ملكه، وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه وأخذ منه الخاتم، ولبسه فخرت عليه الشياطين والجن والإنس والطير والوحش وخرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده فهرب ومر على ساحل البحر وأنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصور في صورة سليمان وصاروا إلى أمه وقالوا لها أتنكرين من سليمان شيئاً؟ فقالت كان أبر الناس بي وهو اليوم يبغضني وصاروا إلى جواريه ونسائه وقالوا أتنكرين من سليمان شيئاً؟ قلن كان لم يكن يأتينا في الحيض، فلما خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر، فبعث الله سمكة فالتقمته وهرب الشيطان، فبقوا بنو إسرائيل يطلبون سليمان أربعين يوماً.
وكان سليمان يمر على ساحل البحر يبكي ويستغفر الله تائباً إلى الله مما كان منه فلما كان بعد أربعين يوماً مر بصياد السمك فقال له أعينك على أن تعطيني من السمك شيئاً، قال: نعم فأعانه سليمان فلما اصطاد دفع إلى سليمان سمكة فأخذها فشق بطنها وذهب يغسلها فوجد الخاتم في بطنها، فلبسه فخرت عليه الشياطين والجن والإِنس والطير والوحش ورجع إلى ما كان وطلب ذلك الشيطان وجنوده الذين كانوا معه فقيدهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في جوف الصخر بأسماء الله فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة.
قال ولما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا وكان آصف كاتب سليمان وهو الذي كان عنده علم من الكتاب: وقد عذرت الناس بجهالتهم فكيف أعذرك؟ فقال: لا تعذرني ولقد عرفت الشيطان الذي أخذ خاتمك وأباه وأمه وعمه وخاله ولقد قال لي اكتب لي فقلت له إن قلمي لا يجري بالجور، فقال اجلس ولا تكتب فكنت أجلس ولا أكتب شيئاً ولكن أخبرني عنك يا سليمان صرت تحت الهدهد وهو أخس الطير منتناً وأنتنه ريحاً؟ قال إنه يبصر الماء من وراء الصفا الأصم، قال وكيف يبصر الماء من وراء الصفا وإنما يوارى عنه الفخ بكف من تراب حتى يؤخذ بعنقه! فقال سليمان قف يا وقاف! إنه إذا جاء القدر حال دون البصر.
قال: وحدثني أبي عن أبي بصير عن ابان عن أبي حمزة عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: خرج سليمان بن داود من بيت المقدس ومعه ثلاثمائة ألف كرسي عن يمينه عليها الإِنس وثلاثمائة ألف كرسي عن يساره عليها الجن وأمر الطير فأظلتهم وأمر الريح فحملتهم حتى ورد ايوان كسرى في المدائن ثم رجع فبات فاضطجع ثم غدا فانتهى إلى مدينة تركاوان (م) (بركاوان ك) ثم أمر الريح فحملتهم حتى كادت أقدامهم يصيبها الماء وسليمان على عمود منها فقال بعضهم لبعض هل رأيتم ملكاً قط أعظم من هذا وسمعتم به فقالوا ما رأينا ولا سمعنا بمثله فنادى ملك من السماء ثواب تسبيحة واحدة في الله أعظم مما رأيتم.
وحدثني أبي عن أحمد بن محمد عن أبي نصر (بصير ط) عن عبد الله بن القاسم عن أبي خالد القماط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قالت بنو إسرائيل لسليمان استخلف علينا ابنك، فقال لهم إنه لا يصلح لذلك فألحوا عليه فقال: إني اسائله عن مسائل فإن أحسن الجواب فيها استخلفه ثم سأله فقال يا بني ما طعم الماء وطعم الخبز، ومن أي شيء ضعف الصوت وشدته؟ وأين موضع العقل من البدن؟ ومن أي شيء القساوة والرقة؟ ومم تعب البدن ودعته؟ ومم تكسب البدن وحرمانه؟ فلم يجبه بشيء منها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: طعم الماء الحياة وطعم الخبز القوة وضعف الصوت وشدته من شحم الكليتين وموضع العقل الدماغ، ألا ترى أن الرجل إذا كان قليل العقل قيل له ما أخف دماغك والقسوة والرقة من القلب وهو قوله: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، وتعب البدن ودعته من القدمين إذا تعبا في المشي يتعب البدن وإذا أودعا البدن وتكسب البدن وحرمانه من اليدين إذا عمل بهما ردتا على البدن وإذا لم يعمل بهما لم تردا على البدن شيئاً.