التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ
٧
-الشورى

تفسير القرآن

قوله: { وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها } قال: أم القرى مكة سميت أم القرى لأنها أول بقعة خلقها الله من الأرض لقوله: { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً } [آل عمران: 96].
وقوله { لتنذر أم القرى } مكة { ومن حولها } سائر الأرض وقوله: { وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير } قال: فإنه حدثني الحسين بن عبد الله السكيني عن أبي سعيد البجلي (النحلى ط) عن عبد الملك بن هارون عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: لما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام أمر معاوية وأنه في مائة ألف قال من أي القوم؟ قالوا من أهل الشام، قال عليه السلام لا تقولوا من أهل الشام ولكن قولوا من أهل الشوم هم من أبناء مضر لعنوا على لسان داود فجعل الله منهم القردة والخنازير، ثم كتب عليه السلام إلى معاوية: لا تقتل الناس بيني وبينك وهلم إلى المبارزة فإن أنا قتلتك فإلى النار أنت وتستريح الناس منك ومن ضلالتك وإن قتلتني فأنا إلى الجنة ويغمد عنك السيف الذي لا يسعني غمده حتى أرد مكرك وبدعتك، وأنا الذي ذكر الله اسمه في التوراة والإنجيل بمؤازرة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنا أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وآله تحت الشجرة في قوله:
{ { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } [الفتح: 18].
فلما قرأ معاوية كتابه وعنده جلساؤه قالوا: والله قد أنصفك، فقال معاوية والله ما أنصفني والله لأمرمينه بمائة ألف سيف من أهل الشام من قبل أن يصل إلي، ووالله ما أنا من رجاله، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول والله يا علي لو بارزك أهل الشرق والغرب لقتلتهم أجمعين، فقال له رجل من القوم فما يحملك يا معاوية على قتال من تعلم وتخبر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله بما تخبر؟ ما أنت ونحن في قتاله إلا على الضلالة! فقال معاوية: إنما هذا بلاغ من الله ورسالاته والله ما أستطيع أنا وأصحابي رد ذلك حتى يكون ما هو كائن.
قال: وبلغ ذلك ملك الروم وأخبر أن رجلين قد خرجا يطلبان الملك فسأل من أين خرجا؟ فقيل له رجل بالكوفة ورجل بالشام، قال: فلمن الملك الآن فأمر وزراء‌ه فقالوا تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي، فأتي برجلين من تجار الشام ورجلين من تجار مكة فسألهم عن صفتهما فوصفوهما له ثم قال لخزان بيوت خزاينه اخرجوا إلي الأصنام فأخرجوها فنظر إليها، فقال: الشامي ضال والكوفي هاد، ثم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك وكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك، فاسمع منهما ثم انظر في الإِنجيل كتابنا ثم أخبركما من أحق بهذا الأمر وخشي على ملكه، فبعث معاوية يزيد ابنه وبعث أمير المؤمنين الحسن ابنه عليهما السلام فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده وقبلها ثم قبل رأسه ثم دخل عليه الحسن بن علي عليهما السلام فقال: الحمد الله الذي لم يجعلني يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً ولا عابداً للشمس والقمر ولا الصنم ولا البقر وجعلني حنيفاً مسلماً ولم يجعلني من المشركين تبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين، ثم جلس لا يرفع بصره، فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما ثم فرّق بينهما ثم بعث إلى يزيد فأحضره ثم أخرج من خزائنه ثلاثمائة وثلاثة عشر صندوقاً فيها تماثيل الأنبياء وقد زينت بزينة كل نبي مرسل فأخرج صنماً فعرضه على يزيد فلم يعرفه ثم عرض عليه صنماً صنماً فلا يعرف منها شيئاً ولا يجيب منها بشيء ثم سأله عن أرزاق الخلائق وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟ وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا؟ فلم يعرف من ذلك شيئاً ثم دعا الملك الحسن بن علي عليهما السلام فقال: إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم أنك تعلم ما لا يعلم ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه فقد وصف لي أبوك وأبوه ونظرت في الإنجيل فرأيت فيه محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله والوزير علياً عليه السلام فنظرت في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله.
(فقال له الحسن): سلني عما بدا لك مما تجده في الإنجيل وعما في التوراة وعما في القرآن أخبرك به إن شاء الله تعالى، فدعا الملك بالأصنام فأول صنم عرض عليه في صورة القمر فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة آدم أبو البشر ثم عرض عليه أخرى في صفة الشمس فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة حواء أم البشر ثم عرض عليه آخر في صورة حسنة فقال: هذه صفة شيث بن آدم وكان أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة وأربعين عاماً، ثم عرض عليه أخرى فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة كان عمره ألفاً وأربعمائة سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم عرض عليه آخر فقال: هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة ثم عرض عليه صنماً آخر فقال: هذه صفة موسى بن عمران وكان عمره مائتين وأربعين سنة وكان بينه وبين إبراهيم خمسمائة عام ثم أخرج إليه صنماً آخر فقال: هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب ثم أخرج إليه صنماً آخر فقال: هذه صفة إسماعيل ثم أخرج إليه صنماً آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم ثم أخرج إليه صنماً آخر فقال: هذه صفة داود صاحب المحراب (الحرب ط) ثم أخرج إليه صنماً آخر فقال: هذه صفة شعيب ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى بن مريم روح الله وكلمته وكان عمره في الدنيا ثلاثة وثلاثين سنة ثم رفعه الله إلى السماء ويهبط إلى الأرض بدمشق وهو الذي يقتل الدجال.
ثم عرض عليه صنماً صنماً فيخبر باسم نبي نبي ثم عرض عليه الأوصياء والوزراء فكان يخبر باسم وصي وصي ووزير وزير ثم عرض عليه أصناماً بصفة الملوك فقال الحسن عليه السلام: هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان فلعلها من صفة الملوك فقال الملك: أشهد عليكم يا أهل بيت محمد أنكم قد أعطيتم علم الأولين والآخرين وعلم التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وألواح موسى عليه السلام ثم عرض عليه صنماً يلوح، فلما نظر إليه بكى بكاءً شديداً، فقال له الملك ما يبكيك؟ فقال: هذه صفة جدي محمد صلى الله عليه وآله كثيف اللحية عريض الصدر طويل العنق عريض الجبهة، أقنى الأنف، أفلج الاسنان حسن الوجه قطط الشعر طيب الريح حسن الكلام فصيح اللسان، كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بلغ عمره ثلاثاً وستين سنة ولم يخلف بعده إلا خاتماً مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يتختم بيمينه وخلف سيفه ذا الفقار وقضيبه وجبة صوف وكساء صوف كان يتسرول به، لم يقطعه ولم يخطه حتى لحق بالله! فقال الملك: إنا نجد في الإنجيل أنه يكون له ما يتصدق به على سبطيه فهل كان ذلك؟ فقال له الحسن عليه السلام: قد كان ذلك، فقال الملك فبقى لكم ذلك؟ فقال لا، فقال الملك أول فتنة هذه الأمة غلباً أباكما - وهما الأول والثاني - على ملك نبيكم، واختيار هذه الأمة على ذرية نبيهم، منكم القائم بالحق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
قال: ثم سأل الملك الحسن عليه السلام عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم، فقال الحسن عليه السلام أول هذه آدم ثم حواء ثم كبش إبراهيم ثم ناقة صالح ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن، قال: ثم سأله عن أرزاق الخلائق، فقال الحسن عليه السلام: أرزاق الخلائق في السماء الرابعة ينزل بقدر ويبسط بقدر ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تكون إذا ماتوا؟ قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة جمعة وهو عرش الله الأدنى منها بسط الله الأرض وإليها يطويها ومنها المحشر ومنها استوى ربنا إلى السماء أي استولى على السماء والملائكة، ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع؟ قال: تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله ناراً من المشرق وناراً من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة ويزلف الميعاد وتصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الأرضين السابعة وفيها الفلق والسجين فتفرق الخلائق من عند الصخرة فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها وذلك قوله: { فريق في الجنة وفريق في السعير } فلما أخبر الحسن عليه السلام بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله التفت الملك إلى يزيد بن معاوية وقال: أشعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل أو وصي مؤازر قد أكرمه الله بمؤازرة نبيه أو عترة نبي مصطفى وغيره فقد طبع الله على قلبه وآثر دنياه على آخرته وهواه على دينه وهو من الظالمين.
قال: فسكت يزيد وخمد قال: فأحسن الملك جائزة الحسن وأكرمه وقال له: ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك وأظنه سما مرديا وعذاباً أليماً، قال: فرجع يزيد إلى معاوية, وكتب إليه الملك أنه من آتاه الله العلم بعد نبيه وحكم التوراة وما فيها والإِنجيل وما فيه والزبور وما فيه والفرقان وما فيه فالحق والخلافة له وكتب إلى علي عليه السلام أن الحق والخلافة لك وبيت النبوة فيك وفي ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك فإن من قاتلك نجده في الإِنجيل أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وعليه لعنة أهل السماوات والأرضين.