التفاسير

< >
عرض

وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٩
-الحجرات

تفسير القرآن

أما قوله: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاء‌ت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } فإنه سيف على أهل البغي والتأويل قال: حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأل رجل عن حروب أمير المؤمنين عليه السلام وكان السائل من محبينا فقال أبو جعفر عليه السلام: بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، وسيف منها ملفوف وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا وحكمه إلينا، فأما السيوف الثلاثة الشاهرة.
فسيف على مشركي العرب قال الله تعالى:
{ اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا } - يعني آمنوا - { فإخوانكم في الدين } [التوبة: 10-11] فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإِسلام وأموالهم وذراريهم سبي على ما سبى رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه سبى وعفا وقبل الفداء صلى الله عليه وآله.
والسيف الثاني على أهل الذمة قال الله جل ثناؤه:
{ { وقولوا للناس حسناً } [البقرة: 83] نزلت في أهل الذمة فنسخها قوله: { { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [التوبة: 29] فمن كان منهم في دار الإِسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل وما لهم وذراريهم سبي فإذا قبلوا الجزية حرم علينا سبيهم وأموالهم وحلت مناكحتهم ولا يقبل منها إلا الجزية أو القتل.
والسيف الثالث على مشركي العجم يعني: الترك والديلم والخزرج قال الله جل ثناؤه في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم فقال:
{ { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد } [محمد: 4] - يعني بعد السبي منهم - { { وإما فداءً } [محمد: 4] يعني: المفاداة بينهم وبين أهل الإِسلام فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإِسلام ولا يحل لنا نكاحهم ما داموا في الحرب.
وأما السيف الملفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله عز وجل: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل فسئل صلى الله عليه وآله من هو؟ قال: هو خاصف النعل؟ - يعني أمير المؤمنين عليه السلام - وقال عمار بن ياسر قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثاً وهذه الرابعة والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنَّا على الحق وأنهم على الباطل، فكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السلام على ما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل مكة يوم فتح مكة فإنه لم يسب لهم ذرية، فقال: من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام فيهم: لا تسبوا لهم ذرية ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبراً، ومن أغلق بابه فهو آمن.
وأما السيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله تعالى:
{ { النفس بالنفس... والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له } [المائدة: 45] فسلمه إلى أولياء المقتول وحكمه إلينا، فهذه السيوف بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وآله فمن جحدها أو جحد واحداً منها أو شيئاً من سيرتها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله.