التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ
١
-المنافقون

تفسير القرآن

{ إذا جاء‌ك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } قال: نزلت في غزوة المريسع (المتسع ك) وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج إليها فلما رجع منها نزل على بئر، وكان الماء قليلاً فيها وكان أنس بن سيار حليف الأنصار، وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيراً لعمر بن الخطاب فاجتمعوا على البئر فتعلق دلو ابن سيار بدلو جهجاه، فقال سيار دلوي وقال جهجاه دلوي، فضرب جهجاه يده على وجه ابن سيار فسال منه الدم، فنادى سيار بالخزرج ونادى جهجاه بقريش وأخذ الناس السلام وكاد أن تقع الفتنة، فسمع عبد الله بن أبي النداء فقال: ما هذا؟ فأخبروه بالخبر فغضب غضباً شديداً ثم قال قد كنت كارهاً لهذا المسير إني لأذل العرب، ما ظننت أني أبقى إلى أن أسمع مثل هذا فلا يكن عندي تعيير، ثم أقبل على أصحابه فقال: هذا عملكم أنزلتموهم منازلكم وواسيتموهم بأموالكم ووقيتموهم بأنفسكم وأبرزتم نحوركم للقتل فأرمل نساء‌كم وأيتم صبيانكم ولو أخرجتموهم لكانوا عيالاً على غيركم، ثم قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وكان في قوم زيد بن أرقم وكان غلاماً قد راهق وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في ظل شجرة في وقت الهاجرة وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله ابن أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلك وهمت يا غلام فقال: لا والله ما وهمت فقال لعلك غضبت عليه قال لا ما غضبت عليه قال فلعله سفه عليك، فقال لا والله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لشقران مولاه أخرج فأخرج (أحدج فأحدج ك) راحلته وركب، وتسامع الناس بذلك فقالوا ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليرحل في مثل هذا الوقت فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته! فقال وعليك السلام! فقال ما كنت لترحل في هذا الوقت؟ فقال أوما سمعت قولاً قال صاحبكم، قالوا وأي صاحب لنا غيرك يا رسول الله؟ قال عبد الله بن أبي زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال يا رسول الله! فأنت وأصحابك الأعز وهو وأصحابه الأذل، فسار رسول الله صلى الله عليه وآله يومه كله لا يكلمه أحد، فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه، فحلف عبد الله أنه لم يقل شيئاً من ذلك، فقالوا فقم بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نعتذر إليه، فلوى عنقه.
فلما جن الليل سار رسول الله صلى الله عليه وآله ليله كله والنهار فلم ينزلوا إلا للصلاة فلما كان من الغد نزل رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل أصحابه، وقد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فحلف عبد الله أنه لم يقل ذلك وأنه ليشهد أنه لا إله إلا الله وأنك لرسول الله وأن زيداً قد كذب علي، فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله منه، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له كذبت على عبد الله سيدنا، فلما رحل رسول الله صلى الله عليه وآله كان زيد معه يقول اللهم إنك لتعلم أني لم أكذب على عبد الله بن أُبي فما سار إلا قليلاً حتى أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان يأخذه من البرحاء عند نزول الوحي عليه فثقل حتى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يسكب العرق عن جبهته ثم أخذ بإذن زيد بن أرقم فرفعه من الرحل ثم قال: يا غلام صدق قولك ووعى قلبك وأنزل الله فيما قلت قرآناً، فلما نزل جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين: بسم الله الرحمن الرحيم { إذا جاء‌ك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله - إلى قوله - ولكن المنافقين لا يعلمون } ففضح الله عبد الله بن أُبي.
حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال: حدثنا أحمد بن ميثم عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبان بن عثمان قال: سار رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً وليلة ومن الغد حتى ارتفع الضحى فنزل ونزل الناس فرموا بأنفسهم نياماً وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكف الناس عن الكلام، قال: وإن ولد عبد الله بن أُبي أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله إن كنت عزمت على قتله فمرني أكون أنا الذي أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الأوس والخزرج أني أبرهم ولداً بوالدي فإني أخاف أن تأمر غيري فيقتله فلا تطيب نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله، فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل يحسن الله صحابته ما دام معنا.