التفاسير

< >
عرض

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
١٧
وَلاَ يَسْتَثْنُونَ
١٨
فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ
١٩
فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ
٢٠
فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ
٢١
أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ
٢٢
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ
٢٣
أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ
٢٤
وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ
٢٥
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ
٢٦
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
٢٧
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ
٢٨
قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٢٩
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ
٣٠
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
٣١
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ
٣٢
كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
-القلم

تفسير القرآن

قوله: { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا } [17] أي: حلفوا { ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون } [17-19] فإنه كان سببها ما حدثني أبي عن إسحاق بن الهيثم عن علي بن الحسين العبدي عن سليمان الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قيل له إن قوماً من هذه الأمة يزعمون أن العبد قد يذنب فيحرم به الرزق، فقال ابن عباس: فوالله لا إله غيره لهذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية ذكره الله في سورة ن والقلم، أنه كان شيخ كانت له جنة وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه، فلما قبض الشيخ وورثه بنوه وكان له خمسة من البنين فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملاً لم يكن حملته قبل ذلك فراحوا الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر، فاشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا وقال بعضهم لبعض إن أبانا كان شيخاً كبيراً قد ذهب عقله وخرف فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحداً من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئاً حتى نستغني وتكثر أموالنا ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة، فرضي بذلك منهم أربعة وسخط الخامس وهو الذي قال الله تعالى: { قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون } [28].
فقال الرجل: يا بن عباس كان أوسطهم في السن؟ فقال: لا بل كان أصغر القوم سناً وكان أكبرهم عقلاً وأوسط القوم خير القوم، والدليل عليه في القرآن إنكم يا أمة محمد أصغر الأمم وخير الأمم قال الله:
{ { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } [البقرة: 143] فقال لهم أوسطهم: اتقوا الله كونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا، فبطشوا به فضربوه ضرباً مبرحاً فلما أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارهاً لأمرهم غير طائع فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله أن يصرموه إذا أصبحوا ولم يقولوا إن شاء الله، فابتلاهم الله بذلك الذنب وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه فأخبر عنهم في الكتاب فقال: { إنا بلوناهم - إلى قوله - فأصبحت كالصريم } [17-20] قال: كالمحترق، فقال الرجل: يا بن عباس ما الصريم؟ قال: الليل المظلم ثم قال: لا ضوء له ولا نور فلما أصبح القوم { تنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين } [21-22] قال: { فانطلقوا وهم يتخافتون } [23] قال الرجل وما التخافت يا بن عباس؟ قال: يتسارون بعضهم بعضاً لكي لا يسمع أحد غيرهم فقالوا: { لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين } [24-25] وفي أنفسهم أن يصرموها ولا يعلمون ما قد حل بهم من سطوات الله ونقمته { فلما رأوها } [26] وعاينوا ما قد حل بهم { قالوا ء‌إنا لضالون بل نحن محرومون } [26-27] فحرمهم الله ذلك الرزق بذنب كان منهم ولم يظلمهم شيئاً فقال أوسطهم: { ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون } قال: يلومون أنفسهم فيما عزموا عليه { قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون } فقال الله: { كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: { وإنك لعلى خلق عظيم } [القلم: 4] يقول على دين عظيم { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة } إن أهل مكة ابتلوا بالجوع كما ابتلي أصحاب الجنة وهي الجنة التي كانت في الدنيا وكانت في اليمن يقال لها الرضوان على تسعة أميال من صنعاء قوله: { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون } وهو العذاب قوله: { إنا لضالون } قال: أخطأوا الطريق قوله: { لولا تسبحون } يقول: لولا تستغفرون.