التفاسير

< >
عرض

لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
٤٢
-التوبة

تفسير القرآن

في رواية أبي الجارود عن أبى جعفر عليه السلام في قوله: { لو كان عرضاً قريباً } يقول غنيمة قريبة { لاتبعوك } وقال علي بن إبراهيم في قوله: { ولكن بعدت عليهم الشقة } يعني: إلى تبوك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يسافر سفراً أبعد منه ولا أشد منه وكان سبب ذلك أن الصيّافة كانوا يقدمون المدينة من الشام معهم الدرموك والطعام وهم الأنباط فأشاعوا بالمدينة أن الروم قد اجتمعوا يريدون غزوة رسول الله صلى الله عليه وآله في عسكر عظيم وأن هرقل قد سار في جنود رحلت معهم غسان وجذام (حزام ك) وبهراء (فهراً ك) وعاملة وقد قدم عساكره البلقاء ونزل هو حمص، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بالتهيؤ إلى تبوك وهي من بلاد البلقاء وبعث إلى القبائل حوله وإلى مكة وإلى من أسلم من خزاعة ومزينة وجهينة فحثهم على الجهاد، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بعسكره وضرب في ثنية الوداع وأمر أهل الجدة أن يعينوا من لا قوة به ومن كان عنده شيء أخرجه وحملوا وقووا وحثوا على ذلك وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "أيها الناس إن أصدق الحديث كتاب الله وأولى القول كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن وخير الأمور عزايمها وشر الأمور محدثاتها وأحسن الهدى الأنبياء، وأشرف القتل قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثروا لهي، وشر المعذرية حين يحضر الموت وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزراً ومنهم من لا يذكر الله إلا هجراً، ومن أعظم خطايا اللسان الكذب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما القي في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جمر جهنم، والسكر جمر النار والشعر من إبليس، والخمر جماع الإِثم، والنساء حبائل إبليس، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل أكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع، والأمر إلى آخره وملاك العمل خواتيمه وأربا الربى الكذب، وكل ما هو آتٍ قريب، وسباب المؤمن فسق، وقتال المؤمن كفر، وأكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن توكل على الله كفاه، ومن صبر ظفر، ومن يعف يعف الله عنه. ومن كظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يتبع السمعة يسمع الله به، ومن يصم يضاعف الله له، ومن يعص الله يعذبه، اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي استغفر الله لي ولكم" قال فرغبوا الناس في الجهاد لما سمعوا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وقدمت القبائل من العرب ممن استنفرهم، وقعد عنه قوم من المنافقين ولقي رسول الله الجد بن قيس فقال له: يا أبا وهب! ألا تنفر معنا في هذه الغزاة؟ لعلك أن تستحفد من بنات الأصغر فقال يا رسول الله والله إن قومي ليعلمون أنه ليس فيهم أحد أشد عجباً بالنساء مني وأخاف إن خرجت معك أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر فلا تفتني وائذن لي أن أقيم، وقال لجماعة من قومه لا تخرجوا في الحر فقال ابنه: ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وتقول له ما تقول! ثم تقول لقومك لا تنفروا في الحر والله لينزلن في هذا قرآناً تقرأه الناس إلى يوم القيامة فأنزل الله على رسوله في ذلك { { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } [التوبة: 49] ثم قال الجد بن القيس: أيطمع محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع من هؤلاء أحد أبداً.