التفاسير

< >
عرض

صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ
٧
-الفاتحة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

الاعراب:
أجمع المفسرون والقراء على جر { غير } لأنها نعت للذين، وانما جاز أن تكون نعتاً للذين، والذين معرفة وغير نكرة لأن الذين بصلتها ليست بالمعرفة كالأسماء المعية التي هي أعلام كزيد وعمرو وانما هي كالنكرات اذا عرّفت كالرجل والبعير فلما كانت الذين كذلك كانت صفتها كذلك ايضاً وجاز ان تكون نعتاً للذين، كما يقال لا أجلس إلا إلى العالم غير الجاهل، ولو كانت بمنزلة الأعلام لما جاز، كما لم يجز في قولهم: مررت بزيد غير الظريف، فلا يجرها على انها نعت، وان نصبتها في مثل هذا جاز على الحال. ويحتمل ايضاً ان تكون مجرورة لتكرير العامل الذي خفض الذين فكأنك قلت: صراط الذين انعمت عليهم، صراط غير المغضوب عليهم ويتقارب معناهما لأن الذين انعمت عليهم هم الذين لم يغضب عليهم وقرىء في الشواذ غير المغضوب عليهم بالنصب، ووجهها ان تكون صفة للهاء والميم اللتين في عليهم، العائدة على الذين؛ لانها وان خفضت بعلى فهي موضع نصب بوقوع الانعام عليها، ويجوز ان يكون نصباً على الحال وقال الاخفش والزجّاج: انها نصب على وجه الاستثناء من معاني صفة الذين أنعمت عليهم، وتقديره: إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم إلا المغضوب عليهم الذين لم تنعم عليهم في اديانهم فلا تجعلنا منهم، ويكون استثناء من غير جنس كما قال النابغة للذبياني:

وقفت فيها أصيلا لا اسائلها أعيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الاواري لأيا ما ابينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

وقال الفرّاء: وتغلب هذا خطأ، لأنه لو كان كذلك لما قال: ولا الضالين لأن لا نفي وجحد. ولا يعطف على جحد إلا بجحد، ولا يعطف بالجحد على الاستثناء وانما يعطف بالاستثناء على استثناء وبالجحد على الجحد. يقولون قام القوم إلا أخاك وإلا أباك ولا قام أخوك ولا أبوك، ولا يقولون ما قام القوم إلا أخاك ولا أباك، فعلى هذا تكون { غير } بمعنى: لا فكأنه قال لا المغضوب عليهم ولا الضالين. قال الرماني: من نصب على الاستثناء جعل لا صلة، كما انشد ابو عبيدة

في بئر لا حور سرى وما شعر

أي في بئر هلكة.
{ والمغضوب عليهم } هم اليهود عند جميع المفسرين الخاص والعام، لأنه تعالى قد أخبر انه غضب عليهم وجعل فيهم القردة والخنازير، { ولا الضالين } هم النصارى لأنه قال:
{ { وضلوا عن سواء السبيل } وقال { لعن الذين كفروا } يعني النصارى. وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم). وقال بعضهم لا: زائدة تقديره: غير المغضوب عليهم والضالين كما قال: { { ما منعك أن لا تسجد } أي معناه أن تسجد قال ابو النجم:

فما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشِّمط القفندرا

يعني أن تسخر. وتكون غير بمعنى سوى. وقد بينا ضعف هذا عند الكوفيين لما مضى، ولأنه انما يجوز ذلك اذا تقدمه نفي كقول الشاعر:

ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان ابو بكر ولا عمر

واما الغضب من الله فهو ارادة العقاب المستحق بهم، ولعنهم وبراءته منهم واصل الغضب الشدة ومنه الغضبة الصخرة الصلبة الشديدة المركبة في الجبل المخالفة له ورجل غضوب شديد الغضب والغضوب الحية الخبيثة لشدتها والغضوب الناقة العبوس واصل الضلال الهلاك ومنه قوله { أإذا ضللنا في الأرض } أي هلكنا ومنه قوله تعالى { وأضل أعمالهم } أي أهلكها. والضلال في الدين الذهاب عن الحق والاضلال الدعاء إلى الضلال والحمل عليه ومنه قوله تعالى: { { وأضلهم السامري } والاضلال الاخذ بالعاصين إلى النار والاضلال الحكم بالضلال والاضلال التحيير بالضلال بالتشكيك لتعدل عنه. واليهود ـ وان كانوا ضلالا ـ والنصارى ـ وان كانوا مغضوباً عليهم - فانما خص الله تعالى كل فريق منهم بسمة يعرف بها ويميز بينه وبين غيره بها وان كانوا مشتركين في صفات كثيرة وقيل انه أراد بـ { المغضوب عليهم ولا الضالين } جميع الكفار وانما ذكروا بالصفتين لاختلاف الفائدتين
وروى جابر ابن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال الله تعالى:
"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فله ما سأل فاذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال حمدني عبدي واذا قال الرحمن الرحيم قال أَثنى عليّ عبدي، واذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي ثم قال هذا لي وله ما بقي"
ولا يجوز عندنا ان يقول القارىء عند خاتمة الحمد: آمين فان قال ذلك في الصلاة متعمداً بطلت صلاته لانه كلام لا يتعلق بالصلاة، ولأنه كلام لا يستقل بنفسه وانما يفيد اذا كان تأميناً على ما تقدم ومتى قصد بما تقدم الدعاء لم يكن تالياً للقرآن، فتبطل صلاته وان قصد التلاوة لا يكون داعياً فلا يصح التأمين وان قصدهما فعند كثير من الاصوليين ان المعنيين المختلفين لا يصح ان يردا بلفظ واحد ومن اجاز ذلك ـ وهو الصحيح ـ منع منه لقيام الدلالة على المنع من ذلك فلأجل ذلك لم يجز.