التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٢٢
-يونس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عامر وابو جعفر { ينشركم } بالنون والشين من النشر. الباقون بالياء والسين وتشديد الياء من التسيير. قال ابو علي: حجة ابن عامر أن { ينشركم } مثل قوله { وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء } فالبث تفريق ونشر. وحجة الباقين قوله { { قل سيروا في الأرض } } { { فامشوا في مناكبها } فالمعنيان متقاربان.
امتن الله على خلقه في هذه الآية وعدد نعمه التي يفعلها بهم في كل حال، فقال { هو الذي يسيركم في البر والبحر } وتسييره إياهم اما في البحر، فلأنه بالريح والله المحرك لها دون غيره، فلذلك نسبه إلى نفسه، واما في البر فلأنه كائن باقداره وتمكينه وتسبيبه، فلذلك نسبه إلى نفسه. والتسيير التحريك في جهة تمتد كالسير الممدود، والبر الأرض الواسعة التي تقطع من بلد إلى بلد، ومنه البرّ لاتساع الخير به والبحر مستقر الماء الواسع حتى لا يرى من وسطه حافتاه وجمعه أبحر وبحور، ويشبه به الجواد، فيقال انما هو بحر لاتساع عطائه. وقوله { حتى إذا كنتم في الفلك } خص الخطاب براكبي البحر. والفلك السفن، وسميت فلكا لدورانها في الماء، وأصله الدور، ومنه فلكة المغزل، والفلك الذي تدور فيه النجوم. وتفلك ثدي الجارية اذا استدار. والفلك - ها هنا - جمع، وقد يكون واحداً. كقوله
{ { في الفلك المشحون } وقوله { وجرين بهم بريح طيبة } عدل عن الخطاب إلى الاخبار عن الغائب تصرفاً في الكلام مع انه خطاب لمن كان في تلك الحال وإخبار لغيره من الناس، قال لبيد:

باتت تشكي الي النفس مجهشة وقد حملتك سبعاً بعد سبعينا

وقوله { وفرحوا بها } يعني بالريح الطيبة { جاءتها ريح عاصف } يعني ريحاً شديدة يقولون: عصفت الريح فهي عاصف وعاصفة، ومنهم من يقول: أعصفت فهي معصف ومعصفة. والريح مؤنثة، وانما قال عاصف، لأنه لا يوصف بذلك غير الريح فجرى مجرى قولهم امرأة حائض، قال الشاعر:

حتى اذا عصفت ريح مزعزعة فيها قطار ورعد صوته زجل

وقوله { وجاءهم الموج من كل مكان } معناه جاء راكبي الفلك الأمواج العظيمة الهائلة من جميع الوجوه. { وظنوا أنهم أحيط بهم } أي ظنوا انهم هالكون لما أحاط بهم من الأمواج { دعوا الله مخلصين له الدين } اي عند هذه الشدائد والأهوال والتجؤا إلى الله ودعوه وجه الاخلاص، ولم يذكروا الأوثان والاصنام لعلمهم بأنها لا تنفع ها هنا شيئاً وقالوا { لئن أنجيتنا } يارب من هذه الشدة { لنكونن } من جملة من يشكرك لنعمك، ويقوم بآدابها. ويقال لمن اشرف على الهلاك أحيط به، ومنه قوله { { وأحيط بثمره } أي اهلكت.