التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٢٣
-يونس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حفص { متاع الحياة } بنصب العين. الباقون بالرفع. من رفع يحتمل أمرين: احدهما - ان يكون رفعاً بأنه خبر المبتدأ والمبتدأ قوله { بغيكم } الثاني - ان يكون بغيكم مبتدأ، وقوله { على أنفسكم } خبره. ورفع متاع على تقدير ذلك متاع الحياة الدنيا. ومن نصب فعلى المصدر. قال أبو علي الفارسي { على أنفسكم } يحتمل أن يكون متعلقاً بالمصدر، لأن فعله متعد بهذا الحرف كما قال { { بغى بعضنا على بعض } وقال { ثم بغي عليه لينصرنه الله } فاذا جعلت الجار من صلة المصدر كان الخبر متاع الحياة الدنيا والمعنى بغي بعضكم على بعض متاعاً في الحياة الدنيا. ويجوز ان تجعله متعلقاً بمحذوف، ولا تجعله من صلة المصدر، وفيه ذكر يعود إلى المصدر. والتقدير انما بغي بعضكم على بعض عائد على أنفسكم، فعلى هذا يتعلق بالمحذوف دون المصدر المبتدأ وهو في المعنى كقوله { { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } وقوله { فمن نكث فإنما ينكث على نفسه } فاذا رفعت متاع الحياة على هذا كان خبر مبتدأ محذوف كأنك قلت: ذاك متاع الحياة الدنيا أو هو متاع. ومن نصب احتمل وجهين: احدهما - ان يجعل من صلة المصدر، فيكون الناصب للمتاع هو المصدر الذي هو البغي، ويكون خبر المبتدأ محذوفاً، وحسن ذلك لطول الكلام، لأن بغيكم يدل على تبغون. والآخر - ان يجعل على أنفسكم خبر المبتدأ، ويكون نصب متاع على أحد وجهين: احدهما - يمتعون متاع الحياة فيدل انتصاب المصدر عليه والآخر - ان يضمر تبغون كأنه قال تبغون متاعاً، فيكون مفعولا له. ولا يجوز أن يتعلق بالمصدر إذا جعلت { على } خبراً، لقوله إنما بغيكم على انفسكم، لفصلك بين الصلة والموصول.
اخبر الله تعالى في هذه الاية عن هؤلاء الكفار الذين اذا رأوا الأهوال والشدائد في الفلك في البحر فزعوا إلى الله ودعوه مخلصين له الدين، وقالوا متى انجيتنا من هذه { لنكونن من الشاكرين } أنه اذا انجاهم وخلصهم من تلك الشدائد عادوا إلى البغي وهو الاستعلاء بالظلم. واصل البغي الطلب. تقول بغاه يبغيه اذا طلبه. والبغية الطلبة، والنجاة التخلص من الهلاك. والتخليص من الاختلاط لا يسمى نجاة. ومعنى "لما" ايجاب وقوع الثاني بالأول كقولك: لما قام قمت، ولما جاء زيد قام عمرو. والحق وضع الشيء في موضعه على ما يدعوا العقل اليه، والحق والحسن معناهما واحد. وقوله { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم } خطاب من الله تعالى للخلق بأن بغيكم على انفسكم من حيث ان عقابه يلحقكم دون غيركم { متاع الحياة الدنيا } معناه إنكم تطلبون بالبغي بغير الحق التمتع في الحياة الدنيا. ثم بعد ذلك ترجعون إلى الله بعد موتكم فيجازيكم بأعمالهم بعد أن يعلمكم ما عملتموه وما استحققتم به من انواع العقاب. وقال مقاتل: معنى { يبغون في الأرض بغير الحق } يعبدون غير الله. وقال غيره: معناه كلما أنعمنا عليهم بغوا للدين وأهله الغوائل.