التفاسير

< >
عرض

هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٣٠
-يونس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة الا عاصما { تتلوا } بالتاء من التلاوة. الباقون بالباء. من قرأ بالباء فمعناه تختبر من قوله { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } اي اختبرناهم، ومنه قولهم البلاء ثم الثناء أي الاختبار للثناء عليه ينبغي أن يكون قبل الثناء ليكون عن علم بما يوجبه. ومعنى اختبار النفس ما اسلفت إن قدّم خيراً أو شراً جزي عليه، كما قال { { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } وغير ذلك. ومن قرأ بالتاء فمن التلاوة. ويقوي ذلك قوله { فأولئك يقرؤن كتابهم } وقوله { { اقرأ كتابك } وقوله { { ورسلنا لديهم يكتبون } ويكون (تتلو) بمعنى تتبع ويكون المعنى هنالك تتبع كل نفس ما أسلفت من حسنة وسيئة، فمن أحسن جوزي بالحسنات ومن أساء جوزي به، فعلى هذا يكون المعنى مثل قراءة من قرأ بالباء. وقال ابن زيد: معنى "تتلو" تعاين. وقال الفراء: معناه تقرأ، وقال غيره تتبع. وقال ابن عباس معنى (تتلو) تخبر قال الشاعر:

قد جعلت دلوي تستتليني ولا أحب تبع القرين

اي تتبعني من ثقلها، ومعنى { هنالك } في ذلك المكان، وهو ظرف فـ (هنا) للقريب و (هنالك) للبعيدو (هناك) لما بينهما قال زهير:

هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا وإن يسألوا يعطوا وإن ييسيروا يغلوا

والاسلاف تقديم امر لما بعده، فمن أسلف الطاعة لله جزي بالثواب. ومن أسلف المعصية جزي بالعقاب. وقوله { وردّوا إلى الله } فالرد هو الذهاب إلى الشيء بعد الذهاب عنه، فهؤلاء ذهبوا عن أمر الله فأعيدوا اليه. والرد والرجع نظائر، ويجوز أن يكون الرد بمعنى النشأة الثانية، وهو الاليق ها هنا. وقوله { مولاهم الحق } فالمولى المالك للعبيد، ومعناه مالكهم لأنه يملك أمرهم، وهو أملك بهم من أنفسهم. وقوله { وضل عنهم ما كانوا يفترون } يعني ما كانوا يدعونهم - بافترائهم من الشركاء - مع الله يضلون عنهم يوم القيامة ويبطلون.