التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٣١
-يونس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول لهؤلاء الكفار وغيرهم من خلقه { من يرزقكم من السماء } بانزال المطر والغيث، ومن الارض باخراج النبات وانواع الثمار. والرزق العطاء الجاري يقال: رزق السلطان الجند، الا ان كل رزق، فالله رازق به، لانه لو لم يطلقه على يد الانسان لم يجئ منه شيء. والواحد منا يرزق غيره إلا أنه لا يطلق اسم رازق إلا على الله، كما لا يقال: (ربّ) بالاطلاق إلا في الله وفي غيره يقيد، فيقال رب الدار ورب الفرس. ويطلق فيه، لأنه يملك الجميع غير مملك، وكذلك هو تعالى رازق الجميع غير مرزوق، ولا يجوز أن يخلق الله حيواناً يريد تبقيته إلا ويرزقه، لانه إذا أراد بقاءه فلا بدّ له من الغذاء، فان لم يرد تبقيته كالذي يولد ميتاً فانه لا رزق له في الدنيا. وقوله { أم من يملك السمع والأبصار } يعني من الذي له التصرف فيها بلا مانع يمنعه منها وان شاء اصحها وان شاء امرضها. و { من يخرج الحي من الميت } معناه من الذي يخلق الحيوان ويخرجه من امه حياً سوّياً اذا ماتت أمه { ويخرج الميت من الحي } يعني من يخرجه غير تام ولا بالغ حدّ الكمال. وقيل: معناه انه يخرج الحي من النطفة، وهي ميتة ويخرج النطفة من الحي. وقيل: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. و { من يدبر الأمر } اي ومن الذي يدبر جميع الامور في السما والأرض؟ وليس جواب ذلك لمن انصف ولم يكابر الا ان يقول: الله الفاعل لجميع ذلك. واذا قالوا ذلك واعترفوا به قيل لهم { أفلا تتقون } ومعناه فهلا تتقون خلافه وتحذرون معاصيه؟ وفي الاية دلالة على التوحيد؛ لأن ما ذكره في الاية يوجب أن المدبر واحد ولا يجوز أن يقع ذلك إتفاقاً، لاحالة العقل ذلك، ولا يجوز أن يقع بالطبيعة؛ لأنها في حكم الموات لو كانت معقولة، فلم يبق بعد ذلك إلا ان الفاعل لذلك قادر عالم يدبره على ما يشاء، وهو الله تعالى، مع ان الطبيعة مدَّبرة - مفعولة - فكيف تكون هي المدَّبرة. وإنما دخلت (أم) على (من) لأن (من) ليست أصل الاستفهام بل أصله الألف، فلذلك جاز الجمع بينهما.