التفاسير

< >
عرض

ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ
١
ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ
٢
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ
٣
كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ
٤
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ
٥
نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ
٦
ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ
٧
إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ
٨
فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ
٩
-الهمزة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة والكسائي وخلف وابن عامر وابو جعفر وروح { جمع } بالتشديد على التكثير. الباقون بالتخفيف، لأنه يقع على القليل والكثير. ومن شدد أراد جمعه من وجوه شتى شيئاً بعد شيء { وعدده } أي جعله عدة. ومن قرأ مخففاً أراد جمع مالا وعدداً أي وقوماً ذوي عدد أنصاراً. وقرأ أهل الكوفة إلا حفصاً { عمد } بضمتين جعلوه جمع عمود وعمد، مثل قدوم وقدم، وزبون وزبن. الباقون بفتح العين والميم، لأنهم قد قالوا فى جمع عمود عمد، كما قالوا فى جمع أديم أدم. وفى جمع أهاب أهب.
هذا وعيد من الله تعالى وتهديد { لكل همزة لمزة } فالهمزة الكثير الطعن على غيره بغير حق، العائب له بما ليس فيه عيب لجهله وسفهه وشدة إقدامه على مكاره غيره، يقال: همز الناس يهمزهم همزاً، وهو همزة. ومثله ضحكة أي كثير الضحك وعيبة أي كثير العيب. فكذلك همزة كثير الهمز بالطعن. ومنه الهمزة فى الكلام لانها تخرج كالطعنة بقوة اعتماد. وقال ابن عباس: الهمزة الطعّان. واللمزة المغتاب وقال زياد الاعجم:

تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا وإن تغيبت فانت الهامز اللمز

وقال ابن عباس: الهمزة اللمزة المشاء بالنميمة، المفرق بين الاحبة الباغي المبرئ العيب بالمكابرة. وقيل: نزلت فى مشرك بعينه كان يعيب الناس ويلمزهم - ذكره ابن عبا س - وقال قوم: نزلت فى الوليد بن المغيرة. وقال السدي: نزلت هذه السورة فى الاخنس ابن شريق، وكان يهمز النبي صلى الله عليه وآله ويلمزه. وقيل: نزلت فى جميل بن عامر الجهني. وقال مجاهد وورقاء وابن عباس: ليست خاصة لاحد بل هي عامة.
وقوله { الذي جمع مالا وعدده } نعت للهمزة الذي تقدم ذكره فى أنه يجمع المال ويحبه، ولا يخرج حق الله منه.
وقوله { يحسب أن ماله أخلده } معناه يظن هذا الذي جمع المال، ولا يخرج حق الله منه أنه سيخلده. وقوله { أخلده } يخلده، كما قيل أهلك إذا حدث به سبب الهلاك من غير أن يقع هلاكه بعد. وإنما ذلك بمعنى أوجب إخلاده وهلاكه وقيل: ليس المراد أنه يظن أنه لا يموت، ولكن يجب أنه يبقى من ماله إلى أن يموت. وقيل: معناه إنه يعمل عمل من يحسب أن ماله أخلده. وقال الحسن: معناه يحسب أن ماله أخلده حتى يفنيه.
وقوله { كلا لينبذن في الحطمة } معناه ليقذفن وليطرحن من وصفناه بجمع المال ومنع حق الله في الحطمة. ثم قال { وما أدراك ما الحطمة } تفخيماً لها. ثم فسرها فقال { نار الله الموقدة } أي هي نار الله الموقدة. والحطمة الكثيرة الحطم أي الاكل، ورجل حطمة، وحطم الشيء إذا كسره وأذهبه، وتحطم إذا تكسر وأصله الكسر المهلك.
وقوله { التي تطلع على الأفئدة } معناه يبلغ ألمها ووجعها الأفئدة، تقول: اطّلعت على أرض كذا إذا بلغتها، وقوله { إنها } يعني النار { عليهم } يعني الكفار { مؤصدة } أي مطبقة، يقال اصدت الباب أوصده إذا اطبقته، وأوصدته إيصاداً لغتان. ومنه قوله
{ وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } وابو عمرو يهمز { مؤصدة } إذا لين الهمز، لئلا يخرج من لغة إلى لغة أخرى.
وقوله { في عمد ممددة } فالعمد جمع عمود، وقيل: جمع عماد، كقولك: أهاب وأهب، ويجوز عمد، والعمود عمود مستدير مستطيل قوي على شدة الاعتماد. وقال ابن مسعود: معناه إن النار مطبقة بعمد ممددة. وقال ابن عباس: فى عمد مغللبن بها. وقال قتادة: فى عمد يعذبون بها. وقيل: الاطباق بالعمد الممددة ليتأكد يأسهم من الخروج منها.