التفاسير

< >
عرض

لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ
١
إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ
٢
فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ
٣
ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ
٤
-قريش

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عامر { لالاف قريش } بقصرها، ولم يجعل بعد هذه الهمزة ياء على وزن (لعلاف)، { إيلافهم } بياء بعد الهمزة خلاف لفظ الأول. الباقون { لإيلاف قريش إيلافهم } جميعاً بهمزة بعدها ياء. وقرأ ابو جعفر وابن فليح { إلا فهم } بهمزة بلا ياء بعدها مثل (علافهم) ورواه ابو الحسن حماد - بهمزتين مكسورتين - بعدها ياء. الباقون بهمزة بعدها ياء ساكنة مثل (عيلافهم) قال الأزهري: الايلاف الاجارة بالحفارة يقال: أولف يولف وألف يؤلف إذا أجار الابل بالحفارة. والفت المكان ألفة والفاً وألفته إيلافاً بمعنى واحد. وقد قدّمنا القول فيما رواه أصحابنا أن { ألم تر كيف } و { لإيلاف } سورة واحدة، مثل (الضحى وألم نشرح) فعلى هذا العامل فى { لإيلاف } قوله { فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش } وهو قول الحسن. ومن قال: هما سورتان لم يجز ذلك، فقال العامل فيها، قوله { فليعبدوا } فكأنه قال لذلك الانعام { فليعبدوا } ومثله في تقديم القول فيه قوله { أفغير الله تأمروني } لان تأمروني إعتراض على هذا التفسير، وإنما جاز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبله لأنها زائدة غير عاطفة، كقولك زيداً فاضرب، وتريد فاضربه، فهي على شبه الجواب الذي يجوز فيه تقديم المعمول كقولك زيداً: إن يأتني زيداً اكرمه. ولو كانت عطفاً لم يجز التقديم، كما لا يجوز في الواو، ولا (ثم). وقيل العامل فيه (اعجبوا) لايلاف قريش إلا انه حذف لدلالة الكلم عليه. وقيل هو على { ألم تر كيف فعل ربك... لإيلاف قريش } أي فعل ذلك لايلافهم والايلاف أصحاب الالف بحسن التدبير والتلطف، يقال: ألف يألف الفاً، والفه يؤلفه إيلافاً إذا جعله يألف، وائتلف القوم ائتلافاً وتآلفوا تآلفاً وألفهم تأليفاً. والايلاف نقيض الايحاش، ونظيره الايناس. والف الشيء لزومه على عادة في سكون النفس اليه.
وقوله { رحلة الشتاء والصيف } قال ابن زيد والكلبي: كانت لهم رحلتان رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن في التجارة. والرحلة حال السير على الراحلة وهي الناقة القوية على السفر، ومنه الحديث المروي
"الناس كابل مئة لا يوجد فيها راحلة" والرحل متاع السفر والارتحال احتمال الرحل للمسير في السفر. والشتاء أوان شدة البرد. والصيف زمان شدة الحر. وفصول السنة أربع: ربيع، وصيف وخريف، وشتاء.
وقوله { فليعبدوا رب هذا البيت } أمر من الله تعالى للمكلفين أن يوجهوا عبادتهم إلى الله رب البيت الحرام دون غيره من الاصنام { الذي أطعمهم من جوع } بما أعطاهم من الأموال وسبب لهم من الارزاق بالسعي في التجارة في رحلة الشتاء ورحلة الصيف { وآمنهم من خوف } الغارة بالحرم الذي جبل قلوب العرب على تعظيمه. وقيل { آمنهم } من الجذام. قال سفيان بن عيينة: كان لنا إمام بالكوفة يقرأ { ألم تر، ولإيلاف } ولا يفرق بينهما.