هذا خطاب من الله لنبيه صلى الله عليه وآله على وجه تعداد نعمه عليه. يقول { إنا أعطيناك الكوثر } فالاعطاء إخراج الشيء إلى آخذ له، وهو على وجهين: اعطاء تمليك واعطاء غير تمليك. فاعطاء الكوثر إعطاء تمليك، كاعطاء الاجر، وأصله التناول من عطا يعطوا إذا تناول. و { الكوثر } الشيء الذي من شأنه الكثرة، والكوثر الخير الكثير. وهو (فوعل) من الكثرة، قال عطاء: هو حوض النبي صلى الله عليه وآله الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة. وقال ابن عباس: هو الخير الكثير. وروي عن عائشة: أن الكوثر نهر في الجنة جانباه قباب الدرّ والياقوت، وقال الحسن: الكوثر القرآن. وقال ابن عمر: هو نهر يجري في الجنة على الدر والياقوت وقوله { فصل لربك } أمر من الله تعالى لنبيه ويدخل معه جميع المكلفين يأمرهم بالصلاة وأن ينحروا وقال ابن عباس وأنس بن مالك ومجاهد وعطاء: معنى وانحر انحر البدن متقرباً إلى الله بنحرها خلافاً لمن نحرها للاوثان. وقيل: معناه { فصل لربك } صلاة العيد { وانحر } البدن والاضاحي. وقيل: معناه صل لربك الصلاة المكتوبة واستقبل القبلة بنحرك. تقول العرب: منازلنا نتناحر هذا ينحر هذا أي مستقبلة، وانشد بعضهم:
ابا حكم ها انت عم مجالد وسيد أهل الابطح المتناحر
وروي عن علي عليه السلام أن معناه ضع نئك هو الأبتر } يعني الذي انقطع عنه كل خير. وقيل: إنه أراد به انه لا ولد له على الحقيقة، وأن من اليمنى على اليسرى حذاء النحر - وهذه الرواية غير صحيحة - والمروي عن ابي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أن معناه وانحر البدن والاضاحي.
وقوله { إن شانئك هو الأبتر } فالشانئ المبغض تقول: شنئته اشنؤه شناء إذا أبغضته، وقال ابن عباس: معناه عدوك، وهو قول سعيد بن جبير، وقال: هو العاص بن وائل السهمي، فانه قال فى النبي صلى الله عليه وآله إنه أبتر لا عقب له، فقال الله تعالى { إن شاينسب اليه ليس بولد له، والابتر هو المنقطع عن الخير. وقيل: هو الذي لا عقب له - ذكره مجاهد - وقال قتادة: معناه الاقل الاذل بانقطاعه عن الخير. وقيل: قوله { إن شانئك هو الأبتر } جواب لقول قريش انه أبتر لا ولد له ذكر إذا مات قام مقامه يدعو اليه، وقد انقطع أمره. فقيل: إن شانئك هو الابتر الذي ينقطع ما هو عليه من كفره بموته، فكان الامر كما اخبر به، وقيل: الحمار الابتر المقطوع الذنب، فشبه به. وقيل: فى السورة تشاكل المقاطع للفواصل وسهولة مخارج الحروف بحسن التأليف وتقابل المعاني بما هو أولى لان قوله { فصل لربك } احسن من صل لنا، لانه يجب أن يذكر في الصلاة بصفة الربوبية { وانحر } ها هنا أحسن من قوله (وانسكه) لانه على برّ يعم بعد برّ يخص. و { الأبتر } احسن من (الاخس) لانه أدل على الكناية في النفس، فهذه الحروف القليلة قد جمعت المحاسن الكثيرة. ومالها في النفس من المنزلة اكثر بالفخامة والجزالة وعظم الفائدة التي يعمل عليها وينتهى اليها.