حكى الله تعالى في هذه الآية أنه أرسل { إلى ثمود أخاهم صالحاً } ونصب { أخاهم } بأرسلنا، عطف على ما تقدم، وانه { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } وقد فسرناه. وقوله { هو أنشأكم من الأرض } قيل في معناه قولان:
احدهما - انه خلقكم من آدم وآدم من تراب.
الثاني - انه خلقكم من الارض، والاول اختيار الجبائي وهو الأقوى. والانشاء الايجاد ابتداء من غير استعانة بشيء من الاسباب، وهما نشأتان الاولى في الدنيا والثانية في الآخرة.
وقوله { واستعمركم فيها } اي جعلكم قادرين على عمارة الأرض، ومكنكم من عمارتها والحاجة الى سكناها. والاستعمار جعل القادر يعمر الارض كعمارة الدار. وقال مجاهد معنى { استعمركم فيها } أي اعمركم بأن جعلها لكم طول اعماركم. ومنه العمرى المسألة المعروفة في الفقه.
وفي الآية دلالة على فساد قول من حرم المكاسب، لانه تعالى امتن على خلقه بأن مكنهم من عمارة الأرض فلو كان ذلك محرماً لم يكن لذلك وجه، والعبادة لا تستحق إلا بالنعم المخصوصة التي هي أصول النعم فلذلك لا يستحق بعضنا على بعض العبادة ابتداء، وان استحق الشكر، ولذلك لا تحسن العبادة ابتداء، كما لا يحسن الشكر إلا في مقابلة النعم.
وقوله { فاستغفروه ثم توبوا إليه } قد بينا معناه وقوله { إن ربي قريب مجيب } معناه أنه قريب الرحمة لا من قرب المكان، لكنه خرج هذا المخرج لحسن البيان في المبالغة، وقيل ان بلاد ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام، وكانت عاد باليمن.