التفاسير

< >
عرض

تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
١
مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
٢
سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ
٣
وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ
٤
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ
٥
-المسد

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ عاصم { حمالة الحطب } نصباً على الذم. الباقون بالرفع على أنه خبر الابتداء، ويجوز أن يكون ارتفع { امرأته } على أنه فاعل { سيصلي } فكأنه قال سيصلى أبو لهب وامرأته ناراً ذات لهب. وقرأ ابن كثير { يدا أبي لهب } ساكنة الهاء على التخفيف، كما قالوا فى نهر: نهر. الباقون بالتثقيل.
وروي أن أبا لهب كان قد عزم على أن يرمي النبي صلى الله عليه وآله بحجر فمنعه الله من ذلك، وقال تبت يداه للمنع الذي وقع به. ثم قال "وتب" بالعقاب الذي ينزل به فيما بعد، وقيل فى قوله { تبت يدا أبي لهب } أنه الدعاء عليه نحو قوله
{ قاتلهم الله أنى يؤفكون } فاما قوله { وتب } فانه خبر محض، كأنه قال: وقد تب. وقيل: إنه جواب لقول أبي لهب: تباً لهذا من دين، حين نادى النبي صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب، فلما اجتمعوا له قال لهم: إن الله بعثني إلى الناس عاماً وإليكم خاصاً، وأن اعرض عليكم ما إن قبلتموه ملكتم به العرب والعجم. قالوا وما ذلك يا محمد صلى الله عليه وآله قال: "أن تقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله" . فقال أبو لهب تباً لهذا من دين. فأنزل الله تعالى قوله { تبت يدا أبي لهب } والتباب الخسران المؤدي إلى الهلاك تبه يتب تباً، والتباب الهلاك. وفى { تبت يدا } مع أنه إخبار ذم لابي لهب لعنة الله. وإنما قال: تبت يداه ولم يقل: تب، مع انه هو الهالك فى الحقيقة لأنه جار مجرى قوله كسبت يداه، لأن اكثر العمل لما كان باليدين أضيف ذلك اليهما على معنى الخسران الذي أدى اليه العمل بهما.
وقوله { ما أغني عنه ماله وما كسب } معناه ما نفعه ماله ولا الذي كسبه من الاموال، ولا دفع عنه عقاب الله حين نزل به، فالاغناء عنه الدفع عنه، فأما الاغناء بالمال ونحوه فهو دفع وقوع المضارّ به.
وقوله { سيصلى ناراً ذات لهب } خبر من الله تعالى أن أبا لهب سيصلى ناراً ذات لهب، وهي نار جهنم المتلهبة. وفى ذلك دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وآله، لأنه اخبر بأنه يموت على كفره، وكان الأمر على ذلك.
وقوله { وامرأته حمالة الحطب } قال ابن عباس والضحاك وابن زيد: إن امرأة ابي لهب كانت تحمل الشوك فتطرحه فى طريق النبي صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الصلاة وقال عكرمة ومجاهد وقتادة: إنما وصفت بحمالة الحطب، لأنها كانت تمشي بالنميمة وقيل: حمالة الحطب فى النار. وفى ذلك دلالة أيضاً قاطعة على أنها تموت على الكفر. وامرأة أبي لهب أم جميل بنت حرب اخت ابي سفيان عمة معاوية،. وقوله { في جيدها حبل من مسد } فالمسد حبل من ليف، وجمعه أمساد وإنما وصفت بهذه الصفة تخسيساً لها وتحقيراً والجيد العنق، قال ذو الرمة:

فعيناك عيناها ولونك لونها وجيدك إلا انه غير عاطل

وقال ابو عبيدة: المسد حبل يكون من ضروب، قال الراجز:

ومسد امر عن أيانق صهب عناق ذات منح زاهق

والمسد الليف لان من شأنه أن يفتل للحبل. وأصل المسد المحور من حديد، لانه يدور بالفتل. وقال قوم: هو اليف المفتل.
فان قيل: ما الذي كان يجب على أبي لهب حين سمع هذه السورة؟ أكان يجب عليه ان يؤمن؟ فلو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله بأنه سيصلى ناراً ذات لهب، وإن لم يجب عليه الايمان فذلك خلاف الاجماع؟!!
قيل: خبر الله مشروط بأنه سيصلي ناراً ذات لهب إن لم يؤمن، ويجب عليه أن يعلم ذلك، وهذا أبين الاجوبة واظهرها. والله أعلم.