التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
١
مَلِكِ ٱلنَّاسِ
٢
إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ
٣
مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ
٤
ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ
٥
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
٦
-الناس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

كان الكسائي فى رواية أبي عمير يميل { الناس } لكسرة السين، وهو حسن الباقون يتركون الامالة، وهو الأصل.
هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ويدخل فيه المكلفون، يأمرهم أن يستعيذوا { برب الناس } وخالقهم الذي هو { ملك الناس } ومدبرهم وإلههم { من شر الوسواس } وأن يقولوا هذا القول الذي هو { أعوذ برب الناس... } إلى آخرها و { رب الناس } هو الذي خلقهم ودبرهم على حسب ما اقتضته الحكمة وقوله { ملك الناس } إنما خص بأنه ملك الناس مع أنه ملك الخلق أجمعين لبيان أن مدبر جميع الناس قادر أن يعيذهم من شر ما استعاذوا منه مع أنه أحق بالتعظيم من ملوك الناس.
والفرق بين { ملك } و { مالك } حتى جازا جميعا فى فاتحة الكتاب ولم يجز - ها هنا - إلا ملك، لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير، وليس كذلك مالك، لأنه يجوز أن يقال: مالك الثوب، ولا يجوز ملك الثوب، ويجوز أن يقال: ملك الروم، ولا يجوز مالك الروم، فجرت - في فاتحة الكتاب - على معنى الملك فى يوم الجزاء، ومالك الجزاء، وجرت فى سورة الناس على { ملك } تدبير من يعقل التدبير، فكأن هذا أحسن وأولى.
وقوله { إله الناس } معناه أنه الذي يجب على الناس أن يعبدوه، لأنه الذي تحق له العبادة دون غيره { من شر الوسواس } حديث النفس بما هو كالصوت الخفي وأصله الصوت الخفي من قول الاعشى:

تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل

وقال روبة:

وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق سراً وقد أوّن تأوين العقق

والوسوسة كالهمهمة ومنه قولهم: فلان موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة لما يعتريه من المرة. وسوس يوسوس وسواساً ووسوسة وتوسوس توسوساً. وفى معنى قوله { من شر الوسواس } ثلاثة أقوال:
احدها - من شر الوسوسة التي تكون من الجنة والناس، فأمر بالتعوذ من شر الجن والانس.
الثاني - من شر ذي الوسواس وهو الشيطان، كما قال في الاثر: انه يوسوس فاذا ذكر العبد ربه خنس، فيكون قوله { من الجنة والناس } بيان انه منهم، كما قال
{ إلا ابليس كان من الجن } فأما { والناس } فعطف عليه كأنه قيل من الشيطان الذي هذه صفته والناس الذين هذه صفتهم. الثالث - من شر ذي الوسواس الخناس على العموم، ثم يفسر بقوله - عز وجل - من { الجنة والناس } كما يقال: نعوذ بالله من كل مارد: من الجن والانس وقوله { الخناس } معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور، خنس يخنس خنوساً، ومنه قوله { فلا أقسم بالخنس } أي بالنجوم التي تخفى بعدما تظهر بتصريف الحكيم الذي أجراها على حق حسن التدبير، ومنه الخنس في الانف لخفائه بانخفاضه عندما يظهر بنتوئه. قال مجاهد: إذا ذكر العبد ربه خنس، فاذا غفل وسوس اليه وقوله { الذي يوسوس في صدور الناس } قيل: ان الشيطان يعتري الانسان بكلام خفي بفعله يصل مفهومه إلى قلبه من غير سماع صوته، كانسان يتكلم من وراء حجاب بكلام يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع الصوت، وهذه حالة معقولة تقع عليها الوسوسة وأما الانسان فانما يوسوس غيره بأن يدعوه إلى الفساد ويحسن ذلك ويغويه به ويسوفه التوبة ويمنيه العفو. وقوله { من الجنة والناس } بيان لمن يكون منه الوسوسة وقد بين الله تعالى أنه يكون من قبيل الجن ومن قبيل الانس. والناس أصله من الاناس، فحذفت الهمزة التي هي فاء ويدل على ذلك الانس والاناس. واما في تحقيره نويس، فان الالف لما كانت ثانية زائدة اشبهت الف فاعل فلما قلبت واواً شبهة بألف فاعل كذلك جازت الامالة في المواضع التي اميل الاسم فيها لذلك، ومن سأل عن قوله { قل أعوذ برب. وقل يا أيها الكافرون. وسبح اسم ربك } وما اشبه ذلك من الاوامر المتوجهة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: كيف جاز من النبي صلى الله عليه وآله أن يقول: قل للأمة؟ ولو جاز ذلك لجاز أن يقول الانسان لغلامه قل لزيد كذا فيقول غلامه لزيد: قل كذا. وهذا خلاف الغرض.
قلنا عنه جوابان:
احدهما - ان الامر وإن كان متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله فالمراد به أمته معه، فكانه خاطب الجميع بان يقولوا ذلك وأن يسبحوا وغير ذلك، فلا سؤال على هذا.
والثاني - ان الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وآله بأن يفعل الذي أمره وامره أيضاً بتلاوة كلامه، فلما كان قوله { قل، وسبح } من كلام الله وجب عليه أن يتلوه على وجهه ولو كان مأموراً بالفعل دون التلاوة لما وجب أن يأتي بلفظة { قل } في هذه المواضع كلها وجميع أي القرآن في البصري ست آلاف ومئتان وأربع آيات.
وفي المدني الاول ست آلاف ومئتان وسبع عشرة آية.
وفي الكوفي ست آلاف ومئتان وست وثلاثون آية.
وفي المدني الاخير ست آلاف ومئتان واربع عشرة آية.
وجميع ما نزل بمكة خمس وثمانون سورة لا خلاف في ذلك.
وبالمدينة تسع وعشرون سورة لا خلاف في ذلك.
فذلك مئة وأربع عشرة سورة.
وعلى ما رويناه على أصحابنا وعن جماعة متقدمين مئة واثنتا عشرة سورة.
وعدد جميع كلمات القرآن تسع وسبعون ألفاً ومئتان وسبع وسبعون كلمة. ويقال سبع وثمانون كلمة. ويقال تسع وثلاثون كلمة.
وجميع حروفه ثلثمائة الف حرف وثلاثة وعشرون الفاً وخمسة عشر الفاً.
وعدد نقطه مئة الف وست وخمسون الفاً وإحدي وثمانون نقطة.