التفاسير

< >
عرض

قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
٣٧
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

في هذه الآية اخبار بما اجاب به يوسف للفتيين اللذين سألاه عن المنام، فقال لهما { لا يأتيكما طعام ترزقانه } والطعام كل جسم فيه طعم يصلح للاكل، غير انه يختلف باضافته الى الحيوان. والرزق العطاء الجاري في الحكم وكذلك لو اعطاه مرة واحدة، وقد حكم بانه يجريه كان رزقاً. وقال السدي وابن اسحاق: معنى ذلك اني عالم بتعبير الرؤيا اذ لا يأتيكما ما ترزقانه في منامكما إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة. وقال ابن جريج: كان الملك اذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً معلوماً، فأرسل به اليه، فعلى هذا يرزقانه في اليقظة. وقيل إِنه كان يخبر بما غاب كما كان عيسى (ع)، وإِنما عدل عن تعبير الرؤيا إلى الجواب بهذا لاحد أمرين:
احدهما - ما قال ابن جريج: انه كره ان يخبرهما بالتأويل على احدهما فيه، فلم يتركاه حتى أخبرهما. وقال ابو علي: إِنما قدم هذا، ليعلما ما خصه الله به من النبوة، وليقبلا الى الطاعة، والاقرار بتوحيد الله. والانباء: الاخبار بما يستفاد وذلك ان النبأ له شأن، وفيه تعظيم الخبر بما فيه من الفائدة، ولذلك اخذت منه النبوة. والتأويل: الخبر عما حضر بما يؤل اليه أمره، فيما غاب. ولذلك قال { قبل أن يأتيكما } وتأويل القرآن ما يؤل اليه من المعنى أي يرجع اليه والتعليم تفهيم الدلالة المؤدية الى العلم بالمعنى، وقد يكون الاعلام بخلق العلم بالمعنى في القلب.
وقوله { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالأخرة هم كافرون } اخبار من يوسف أنه إنما علمه الله تعالى تأويل ما سألاه لايمانه بالله وحده لا شريك له وعدوله عن ملة الكفار وجحدهم البعث والنشور والجزاء بالثواب والعقاب، و (هم) الثانية دخلت للتأكيد لأنه لما دخل بينهما قوله { وبالآخرة } صارت الأولى كاللملغاة، وصار الاعتماد على الثانية، كما قال
{ وهم بالآخرة هم يوقنون } } وكما قال { أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون } }.