التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
٧٠
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى ان يوسف لما جهز أخوته بجهازهم يعني الطعام الذي اشتروه ليحملوه الى بلدهم. ومنه جهاز المرأة { جعل السقاية في رحل أخيه } والسقاية المراد بها ها هنا صواع الملك الذي كان يشرب فيه. وقيل: كان من فضة. وقال ابن زيد كان كأساً من ذهب. وقيل انه صير مكيالاً للطعام. والسقاية في الأصل الاناء الذي يسقى فيه، والرحل آلة السفر من وعاء أو مركب، والمراد ها هنا وعاء أخيه الذي يحمل فيه طعامه.
وقوله { ثم أذن مؤذن } اي نادى مناد. والايذان الاعلام بقول يسمع بالاذن. ومثله الأذن، والاذن الاطلاق في الفعل بقول يسمع بالاذن، و { والعير } قافلة الحمير - في قول مجاهد. وقيل هي القافلة التي فيها الاجمال. والاصل الحمير إلا انه كثر حتى صارت تسمى كل قافلة محملة عيراً تشبيهاً. وقوله { إنكم لسارقون } فالسرقة أخذ الشيء من حرز في خفى بغير حق، إلا ان الشرع قدر أنه لا يتعلق بها القطع إلا إذا سرق مقداراً معيناً على خلاف بين الفقهاء، فعندنا هو ما قدره ربع دينار، وعند قوم عشرة دراهم، وعند آخرين ثلاث دراهم.
وقيل في وجه ندائهم بالسرقة مع انهم لم يسرقوا شيئاً قولان:
احدهما - ان ذلك من قول اصحابه، ولم يأمرهم يوسف بذلك، ولا علم. وإنما كان أمر بجعل السقاية في رحل أخيه على ما أمره الله تعالى، فلما فقدها الموكلون بها اتهموهم بها. وهواختيار الجبائي.
والثاني - انهم نادوهم على ظاهر الحال فيما يتغلب على ظنونهم ولم يكن يوسف أمر به، وإن علم انهم سيفعلونه. وقال قوم قولاً ثالثاً: ان معناه إنكم سرقتم يوسف من أبيه حين طرحتموه في الجب. وقال آخرون: ان ذلك خرج مخرج الاستفهام، وليس في جعل السقاية في رحل أخيه تعريضاً لأخيه بأنه سارق، لانه إذا كان ذلك يحتمل السرقة، ويحتمل الحيلة فيه حتى يمسكه عنده، فلا ينبغي ان يسبق احد الى اعتقاد السرقة فيه، وليس في ذلك ادخال الغم على أخيه لانا بينا انه كان اعلمه إياه، وواطأه عليه، ليتمكن من امساكه عنده على ما أمره الله تعالى به، والنداء وان كان للعير فالمراد به اهل العير، كما قال { واسأل القرية } وإنما أراد اهلها.