التفاسير

< >
عرض

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
٧٦
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ يعقوب { يرفع درجات من يشاء } بالياء فيهما على وجه الكناية عن الله. الباقون بالنون فيهما على وجه الاخبار منه تعالى عن نفسه. ونوّن التاء من { درجات } اهل الكوفة. الباقون على الاضافة.
اخبر الله تعالى ان يوسف أمر اصحابه بأن يفتشوا اوعيتهم ورحالاتهم، وان يبدؤوا بأوعية الجماعة قبل وعاء أخيه ليكون ابعد من التهم، فلما لم يجدوا فيها شيئاً امر حينئذ باستخراجها من وعاء أخيه. ثم اخبر الله تعالى انه كاد ليوسف، والكيد التعريض للغيظ، وكان التدبير على أخوة يوسف حتى اخذ منهم أخوهم بما يوجبه حكمهم، هو كالتعريض للغيظ من جهة اغتمامهم بما نزل من ذلك الامر بهم. والتقدير كدنا اخوته له بما دبرنا في امره.
وقيل الكيد التعريض للضرّ بما خفي، وقد يعبر عن الجزاء على المعصية بالكيد، كقوله { وأملي لهم أن كيدي متين } اي عقوبتي.
وقوله { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } معناه إنه لم يكن يوسف ممن يأخذ اخاه على دين الملك في جزاء من سرق ان يستعبد قال الشاعر:

تقول اذا درأت لها وضيني اهذا دينه ابداً وديني

اي هذا عادته ابداً وعادتي. وقوله { إلا أن يشاء الله } قال الحسن إنما قال ذلك لانه تعالى كان امره بذلك بدلالة قوله { نرفع درجات من نشاء } اي بما نريه من وجوه الصواب في بلوغ المراد.
وقوله { وفوق كل ذي علم عليم } قيل في معناه قولان:
احدهما - قال ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير: معناه { وفوق كل ذي علم } معلم { عليم } وهو الله تعالى الغني بنفسه عن التعليم.
والثاني - ان معناه { وفوق كل ذي علم } ممن رفعه الله { عليم } قد رفعه بالعلم من وجه آخر، فهو أعلم بذلك الامر الآخر.
وفي ذلك دلالة على أنه تعالى عالم لنفسه، لأنه لو كان عالم بعلم، لكان فوقه عليم، وذلك باطل. والضمير في قوله تعالى { استخرجها } عائدة الى السقاية. وقال الزجاج هي عائدة الى الصواع وانه يذكر ويؤنث، ومن قرأ { درجات من نشاء } على الاضافة، فالمعنى نرفع منازل من نشاء رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره، كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك على مراتب اخوته. ومن قرأ بتنوين { درجات } فالمعنى نرفع من نشاء درجات ومراتب كما رفعنا ليوسف، فـ { من } منصوبة على هذه القراءة، وعلى القراءة الاولى مخفوضة.