التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٨
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير ونافع والكسائي { مبين اقتلوا } بضم التنوين. الباقون بكسره قال أبو علي: من ضم التنوين اتبع حركة التنوين ضمة الهمزة بعده، لان تحريكه ملزم لالتقاء الساكنين، كما قالوا مذ به وفي ظلمات فاتبعوا الضمة وكذلك { مبين اقتلوا } { وقالت اخرج }، ومن كسر لم يتبع، وكسر على أصل الحركة لالتقاء الساكنين في الامر الاكثر.
والعامل في (اذا) اذكر، وتقديره اذكر إذ قالوا ليوسف. ويحتمل أن يكون العامل فيه ما في الآية الاولى من قوله { لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين. إذ قالوا ليوسف }.
وفي الآية اخبار عما قالت أخوة يوسف حين سمعوا منام يوسف وتأويل يعقوب إياه. وقولهم: ان يوسف وأخاه لابيه وأمه، وهو ابن يامين { أحب إلى أبينا } يعقوب { منا } مع انا عصبة أي جماعة، والحب ضد البغض، والحب - بفتح الحاء - سمي به، لانه مما يحب، والحب - بكسر الحاء - المفرط لما فيه من الحب، والاحباب ان يبرك البعير فلا يثور، لانه يحب البروك والمحبة، على ضربين:
احدهما - المحبة التي هي ميل الطباع.
والثاني - ارادة المنافع.
والفرق بين المحبة والشهوة أن الانسان يحب الولد، ولا يشتهيه بأن يميل طبعه اليه ويرق عليه ويريد له الخير. والشهوة منازعة النفس الى ما فيه اللذة. والعصبة الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض، وقولهم { ونحن عصبة } أي جماعة يعين بعضها البعض، وكانوا عشرة. والعصبة يقع على الجماعة من عشرة إِلى خمسة عشر، ولا واحد له من لفظه، كالرهط والقوم والنفر.
وقوله { إن أبانا لفي ضلال مبين } معناه الاخبار عن قولهم ان ابانا في ذهاب عن طريق الحق والصواب الذي فيه التعديل بيننا في المحبة. وقيل: انهم أرادوا انه غلط في تدبير أمر الدنيا إذ كانوا انفع له من يوسف وأخيه من أمه وأبيه إذ كانوا يقومون بأمواله ومواشيه، ولم يريدوا الضلال في الدين، لأنهم لو أرادوا ذلك، لكانوا كفاراً، وذلك خلاف الاجماع.
واكثر المفسرين على ان اخوة يوسف كانوا انبياء، وقال قوم: لم يكونوا كذلك، وهو مذهبنا، لأن الأنبياء، لا يجوز ان تقع منهم القبائح، وخاصة ما فعلوه مع أَخيهم يوسف من طرحه في الجب، وبيعهم إِياه بالثمن البخس، وادخالهم الغم به على أبيهم يعقوب، وكل ذلك يبين أنهم لم يكونوا أنبياء. وقال البلخي: ذهب قوم الى أنهم لم يكونوا في تلك الحال بلغوا الحلم، وقد يقع مثل ذلك ممن قارب البلوغ، وان لم يبلغ، ويعاتب عليه ويذم، ويضرب على فعله.
ومن قال: كانوا بالغين غير انهم لم يكونوا انبياء استدل على بلوغهم بقوله { وتكونوا من بعده قوماً صالحين }، وقولهم { يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا } وقال الانبياء الاسباط من بني يعقوب غير هؤلاء.