التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ
١٦
-الرعد

التبيان الجامع لعلوم القرآن

آية في الكوفي وآيتان في البصري والمدنيين تمام الاولى "والنور".
قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً { أم هل يستوي } بالياء. الباقون بالتاء، من قرأ بالتاء فلانه مسند الى مؤنث لم يفصل بينه وبين فاعله بشيء كما قال
{ قالت الأعراب } و { قالت اليهود } و { وإذا قالت أمة } وقد جاء في مثل ذلك التذكير، كقوله { وقال نسوة } ومن قرأ بالياء، فلانه تأنيث غير حقيقي والفعل مقدّم.
هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، يأمره بأن يقول لهؤلاء الكفار { من رب السماوات والأرض } أي من مدبرهما ومصرّفهما على ما فيهما من العجائب، فانهم لا يمكنهم أن يدّعوا أنَّ مدبر السماوات والارض الاصنام التي يعبدونها، فاذا لم يمكنهم ذلك، فقل لهم رب السماوات والارض وما بينهما من انواع الحيوان والنبات والجماد { الله } تعالى، فاذا أقروا بذلك فقل لهم على وجه التبكيت لهم والتوبيخ لفعلهم: أفاتّخذتم من دون الله اولياء توجهون عبادتكم اليهم؟! فالصورة صورة الاستفهام والمراد به التقريع والتوبيخ. ثم بين ان هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من الاصنام والاوثان لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ومن لا يملك لنفسه ذلك فانه بأن لا يملك لغيره اولى وأحرى، ومن كان كذلك كيف يستحق العبادة ثم قال لهم { هل يستوي الأعمى والبصير } ام هل يتساوى الأعمى عن طريق الحق والعادل عنه الى الضلال. والبصير الذي اهتدى الى الحق، فإنهما لا يتساويان ابداً، كما لا يتساوى الظلمات والنور. ثم قال هل جعلوا يعني هؤلاء الكفار لله شركاء في العبادة خلقوا أفعالاً مثل خلق الله، من خلق الأجسام والألوان والطعوم والاراجيح، والموت والحياة، والشهوة والنفار، وغير ذلك من الافعال التي مختص تعالى بالقدرة عليها فاشتبه ذلك عليهم، فظنوا انها تستحق العبادة، لان افعالها مثل افعال الله، فاذا لم يكن ذلك شبيهاً بل كان معلوماً لهم ان جميع ذلك ليست من جهة الاصنام، فقل لهم الله خالق كل شيء اي هو خالق جميع ذلك يعني ما تقدم من الأفعال التي يستحق بها العبادة.
وقوله { وهو الواحد القهار } اي الخالق لذلك واحد لا ثاني له وهو الذي يقهر كل قادر سواه لا يقدر على امتناعه منه.
ومن تعلق من المجبرة بقوله { قل الله خالق كل شيء } على ان أفعال العباد مخلوقة لله، فقد أبعد، لان المراد بذلك ما قدمناه من أنه تعالى خالق كل شيء يستحق بخلقه العبادة دون ما لا يستحق به ذلك. ولو كان المراد ما قالوه لكان فيه حجة للخلق على الله تعالى وبطل التوبيخ الذي تضمنته الآية الى من وجه عبادته الى الاصنام، لانه إذا كان الخالق لعبادتهم الاصنام هو الله على قول المجبرة فلا توبيخ يتوجه على الكفار، ولا لوم يلحقهم بل لهم ان يقولوا: إِنك خلقت فينا ذلك فما ذنبنا فيه ولم توبخنا على فعل فعلته؟ فتبطل حينئذ فائدة الآية. على أنه تعالى إِنما نفى ان يكون أحد يخلق مثل خلقه، ونحن لا نقول إِن احداً يخلق مثل خلق الله، لان خلق الله اختراع مبتدع، وافعال غيره مفعولة في محل القدرة عليه مباشراً او متولداً في غيره بسبب حال في محل القدرة ولا يقدر أحدنا على اختراع الافعال في غيره على وجه من الوجوه، ولان احدنا يفعل ما يجرّ به نفعاً او يدفع به ضرراً، والله تعالى لا يفعل لذلك فبان الفرق بين خلقنا وخلقه. ولان احدنا يفعل بقدرة محدثة. يفعلها الله فيه والله تعالى يفعل، لانه قادر لنفسه. وايضاً فان ه هنا اجناساً لا نقدر عليها، وهو تعالى قادر على جميع الاجناس، ونحن لا نقدر ان نفعل بقدرة واحدة في وقت واحد في محل واحد من جنس واحد اكثر من جزء واحد، والله تعالى يقدر ان يفعل ما لا نهاية له فبان الفرق بيننا وبينه من هذه الوجوه.