التفاسير

< >
عرض

رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
٣٧
رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ
٣٨
-إبراهيم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا حكاية ما دعا به ابراهيم (ع)، فإِنه قال يارب { إني أسكنت من ذريتي } اي جعلت مأواهم ومقرهم الذي يقرون فيه ويسكنون اليه. والسكنى اتخاذ مأوى لصاحبه يسكن اليه في ليله، ومتى يشاء من اوقاته، اسكن البلدة والدار اذا جعله مأوى له، (والذرية) جماعة الولد على تنسئته من حين يظهر الى ان يكبر، والمراد بالذرية ها هنا: اسماعيل وامه هاجر حين اسكنه وادي مكة، وهو الابطح، ولم يذكر مفعول اسكنت، لان (من) تفيد بعض القوم، كما يقال: قتلنا من بني فلان، واكلنا من الطعام، وشربنا من الماء، قال تعالى { أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } فموضع (من) نصب والوادي سفح الجبل العظيم ومن ذلك قيل للانهار العظام اودية، لان حافاتها كالجبال لها، ومنه الدّية، لانها مال عظيم يتحمل في امر عظيم من قتل النفس المحرمة.
{ غير ذي زرع } أي لا زرع في هذا الوادي أي لا نبات فيه، والزرع كل نبات ينغرس من غير ساق، وجمعه زروع { عند بيتك المحرم } معناه حرم فيه ما أحل في غيره من البيوت، من الجماع، والملابسة بشيء من الدم، والنجاسة، وانما أضاف البيت الى الله، لأنه مالكه من غير ان يملكه احد سواه، لأن ما عداه قد ملك غيره من العباد. وسماه بيتاً قبل ان يبنيه ابراهيم لأمرين:
احدهما - انه لما كان المعلوم انه يبنيه فسماه ما يكون بيتاً.
والثاني - قيل أنه كان البيت قبل ذلك، وانما خربته طسم واندوس. وقيل انه رفع عند الطوفان الى السماء.
وقوله { ربنا ليقيموا الصلاة } اي اسكنتهم هذا الوادي ليدوموا على الصلاة ويقيموها بشرائطها.
{ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } سؤال من ابراهيم (ع) ان يجعل الله تعالى قلوب الخلق تحن الى ذلك الموضع، ليكون في ذلك انس ذريته بمن يرد من الوفود ويدرّ ارزاقهم على مرور الاوقات. { وارزقهم من الثمرات } مسألة منه ان يرزق ذريته من انواع الثمار لكي يشكروه على نعمه وفنون احسانه.
{ ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن } اعتراف من ابراهيم لله تعالى بانه "عز وجل" يعلم ما يخفي الخلق وما يظهرونه، وانه لا يخفى عليه شيء من ذلك مما يكون في الارض، ومما يكون في السماء مع عظمها وبعد ما بينهما، لانه عالم لنفسه بجميع المعلومات. وقال قوم: ان قوله { وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء } اخبار منه تعالى بذلك دون الحكاية.