يقول الله (عز وجل) لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم تسلية له عن كفر قومه { لقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين } قال ابن عباس وقتادة: شيع الامم واحدهم شيعة لمتابعة بعضهم بعضاً في الاحوال التي يجتمعون عليها في الزمن الواحد من مملكة أو عمارة أو بادية أو نحو ذلك من الأمور الجارية في العادة، والمرسل محذوف لدلالة { أرسلنا } عليه.
وقوله { وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن } اخبار منه تعالى أنه لم يبعث رسولاً فيما مضى الا وكانت اممهم تستهزىء بهم، واستهزاؤهم بهم حملهم عليهم واستبعادهم ما دعوا اليه واستيحاشهم منه، واستكبارهم له، حتى توهموا أنه مما لا يكون، ولا يصح مع مخالفته لما وجدوا عليه آباءهم وأجدادهم واسلافهم، فكان عندهم كأنه دعا الى خلاف المشاهدة والى ما فيه جحد الضرورة والمكابرة.
والهزؤ إِظهار ما يقصد به العيب على ايهام المدح، وهو بمعنى اللعب والسخرية.
وقوله { كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين } قيل في معناه قولان:
احدهما - كذلك نسلك القرآن الذي هو الذكر باخطاره على البال ليؤمنوا به، فهم لا يؤمون به، ماضين على سنة من تقدمهم، من تكذيب الرسل، كما سلكنا دعوة الرسل في قلوب من سلف من الامم. ذهب اليه البلخي والجبائي.
وقال الحسن وقتادة: يسلك الاستهزاء بإِخطاره على البال ليجتنبوه، ولو كان المراد أنه يسلك الشرك في قلوبهم، لكان يقول: انهم لا يؤمنون بالشرك ولو كانوا كذلك، كانوا محمودين غير مذمومين، يقال: سلكه فيه يسلكه سلكاً وسلوكاً، واسلكه اسلاكاً، قال عدي بن زيد:
وكنت لزاز خصمك لم اعرّد وقد سلكوك في يوم عصيب
وقال الآخر:
حتى اذا سلكوهم في قتائدة شلا كما تطرد الجمَّالة الشردا
ومعنى قوله: { وقد خلت سنة الأولين } اي في اهلاك من اقام على الكفر بالمعجزات بعد مجيء ما طلب من الآيات. ويحتمل ان يكون المراد وقد خلت سنة الاولين في تكذيب رسلهم والكفر بما جاؤوا به.