قوله { والأرض مددناها } عطفاً على قوله { ولقد جعلنا في السماء بروجاً..
والأرض } ويجوز ان يكون ومددنا الأرض مددناها، كما قال { والقمر قدرناه } ومعنى { مددناها } بسطناها، وجعلنا لها طولا وعرضا { وألقينا فيها } يعني طرحنا فيها { رواسي } يعني جبالاً ثابتة. واصله الثبوت، ويقال: رست السفينة اذا ثبتت، والمراسي ما تثبَّت به. وقيل جعلت الجبال أوتاداً للأرض. وقيل جعلت أعلاماً يهتدي بها أهل الأرض.
وقوله { أنبتنا فيها } يعني أخرجنا النبات في الأرض، والنبات ظهور النامي عن غيره، حالاً بعد حال, والأَغلب عليه ظهوره من الأرض، وقد يكون من غيره، كنبات الشعر على البدن والرأس.
{ من كل شيء موزون } قيل في معناه قولان:
احدهما - قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والجبائي: من كل شيء مقدر معلوم.
والثاني - قال الحسن وابن زيد: من الاشياء التي توزن من الذهب والفضة والنحاس والحديد وغير ذلك. والوزن وضع احد الشيئين بازاء الآخر على ما يظهر به مساواته في المقدار وزيادته، يقال وزنه يزنه وزناً فهو موزون، { وجعلنا لكم فيها معايش } جمع معيشة، وهي طلب اسباب الرزق مدة الحياة، فقد يطلبها الأنسان لنفسه بالتصرف والتكسب، وقد يطلب له فإِن أتاه اسباب الرزق من غير طلب فذلك العيش الهني.
وقوله { ومن لستم له برازقين } (من) في موضع نصب عطفا على { معايش }، وقال مجاهد: المراد به العبيد والاماء والدواب والانعام، قال الفراء: العرب لا تكاد تجعل (من) الا في الناس خاصة، قال: فان كان من الدواب والمماليك حسن حينئذ، قال وقد يجوز ان يجعل (من) في موضع خفض نسقاً على الكاف والميم في (لكم) قال المبرّد: الظاهر المخفوض لا يعطف على المضمر المخفوض نحو مررت بك وزيد إِلا ان يضطر شاعر، على ما مضى ذكره في سورة النساء، وانشد الفرّاء في ذلك:
نعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب غوط نفانف
فرد الكعب على (بينها) وقال آخر:
هلا سألت بذي الجماجم عنهم وأبا نعيم ذي اللواء المحرق
فرد أبا نعيم على الهاء في عنهم. قال ويجوز ان يكون في موضع رفع، لان الكلام قد تم، ويكون التقدير على قوله { لكم فيها }... { ومن لستم له برازقين }. وقوله { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } فخزائن الله مقدوراته، لانه تعالى يقدر ان يوجد ما شاء من جميع الاجناس، فكأنه قال: وليس من شيء إِلا والله تعالى قادر على ما كان من جنسه الى ما لا نهاية له.
وقوله { وما ننزله إلا بقدر معلوم } اي لست انزل من ذلك الشيء { إِلا بقدر معلوم } اي ما يصلحهم وينفعهم دون ما يفسدهم ويضرهم، حسب ما سبق في علمي.