التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ
٨٧
لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ
٨٨
وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ
٨٩
كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ
٩٠
ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ
٩١
-الحجر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه آتاه أي أعطاه سبعاً من المثاني، فقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد: هي السبع الطوال سبع سور من أول القرآن.
قال قوم: المثاني التي بعد المئتين قبل المفصل.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس وابن مسعود: أنها فاتحة الكتاب، وهو قول الحسن وعطاء.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"السبع المثاني أم القرآن" وهي سبع آيات بلا خلاف في جملتها، وإِنما سميت مثاني، في قول الحسن، لأنها تثنى في كل صلاة وقراءة.
وقيل: المثاني السبع الطوال لما يثنى فيها من الحكم المصرفة قال الراجز:

نشدتكم بمنزل الفرقان ام الكتاب السبع من مثاني
ثنتين من آيٍ من القرآن والسبع سبع الطوّل الدواني

وقد وصف الله تعالى القرآن كله بذلك في قوله { الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني } فعلى هذا تكون (من) للتبعيض. ومن قال: انها الحمد قال: (من) بمعنى تبيين الصفة، كقوله { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } } وقوله { والقرآن العظيم } تقديره وآتيناك القرآن العظيم سوى الحمد.
وقوله { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمّة، نهاهم الله تعالى ان يمدوا أعينهم الى ما متع هؤلاء الكفار به من نعيم الدنيا. ومعنى أزواجاً منهم أمثالاً من النعم { ولا تحزن عليهم } قال الجبائي: معناه لا تحزن لما أنعمت عليهم دونك. وقال الحسن { لا تحزن عليهم } على ما يصيرون اليه من النار بكفرهم.
ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ان يخفض جناحه للمؤمنين وهو ان يلين لهم جانبه ويتواضع لهم ويحسن خلقه معهم، وأن يقول لهم { إِني أنا النذير المبين } يعني المخوف من عقاب الله من ارتكب ما يستحق به العقوبة، ومبين لهم ما يجب عليهم العمل به.
وقوله { كما أنزلنا على المقتسمين } قال ابن عباس وسعيد بن جبير، والحسن: هؤلاء هم أهل الكتاب اقتسموا القرآن، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، وقال قتادة: هم قوم من قريش عضوا كتاب الله. وقال ابن زيد: هم قوم صالح { تقاسموا بالله لنبيتنّه وأهله } وقال الحسن: أنزلنا عليك الكتاب، كما انزلنا على المقتسمين من قبل، قوم اقتسموا طرق مكة ينفرون عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إِنه ساحر، وبعضهم يقول هو كاهن، وبعضهم يقول انه مجنون، فأنزل الله بهم عذابا اهلكهم به. وتقديره أنذركم بما أنزل بالمقتسمين. ذكره الفراء.
وقوله { الذين جعلوا القرآن عضين } أي جعلوه متفرقاً بالايمان ببعضه والكفر ببعض، فعضوه على هذا السبيل الذي ذمهم الله بها. وقيل جعلوه عضين، بأن قالوا سحر وكهانة - في قول قتادة - واصل عضين عضه منقوصة الواو، مثل عزة وعزين، قال الشاعر:

ذاك ديار يأزم المآزما وعضوات تقطع اللهازما

وقال آخر:

للماء من عضاتهن زمزمه

وقال رؤبة:

وليس دين الله بالمعضي

فالمعنى انهم عضوه أي فرقوه، كما تعضا الشاة والجزور، واصل عضه عضوه فنقصت الواو، ولذلك جمعت عضين بلا واو كما قالوا عزين جمع عزة والأصل عزوة ومثله ثبه وثبون، واصله ثبوة والعضيهة الكذب، فلما نسبوا القرآن الى الكذب وانه ليس من قبل الله فقد عضهوا بذلك.