التفاسير

< >
عرض

وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
٥
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
٦
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
٧
-النحل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

الأنعام جمع نعم، وهي الإبل، والبقر، والغنم، سميت بذلك لنعومة مشيها بخلاف ذات الحافر الذي يصلب مشيها. ونصب بفعل مقدر يفسره ما بعده، والتقدير وخلق الأنعام خلقها، وإِنماً نصب لمكان الواو العاطفة على منصوب قبله. وقوله { خلقها لكم } تمام، لأن المعنى خلق الأنعام لكم أي لمنافعكم. ثم أخبر، فقال { فيها دفء } والدفء ما استدفأت به. وقال الحسن يريد ما استدفىء به من أوبارها، وأصوافها، وأشعارها. وقال ابن عباس: هو اللباس من الأكيسة وغيرها، كأنه سمي بالمصدر ومنه دفوء يومنا دفأ، ونظيره (الكنّ) قال الفراء: كتبت (دفء) بغير همز، لأن الهمزة إِذا سكن ما قبلها حذفت من الكتاب، ولو كتبت في الرفع بالواو، وفي النصب بالألف وفي الخفض بالياء كان صواباً. وقال قتادة { فيها دفء ومنافع } معناه منفعة هي بلغة، من الألبان وركوب ظهرها { ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون } وذاك أعجب ما يكون إِذا راحت عظاماً ضروعها طوالاً أسنمتها { وحين تسرحون } إِذا سرحت لرعيها. فالسروح خروج الماشية إِلى المرعى بالغداة. والاراحة رجوعها من المرعى عشياً: سرحت الماشية سرحاً وسروحاً وسرحها أهلها قال الشاعر:

كأن بقايا الاثر فوق متونه مدب الدبا فوق النقا وهو سارح

وقوله { وتحمل أثقالكم } يعني هذه الانعام تحمل أثقالكم، وهو جمع ثقل، وهو المتاع الذي يثقل حمله، وجمعه أثقال { لم تكونوا بالغيه إِلا بشق الأنفس } والبلوغ المصير إِلى حد من الحدود، بلغ يبلغ بلوغاً وأبلغه إِبلاغاً، وبلَّغه تبلغاً وتبلّغ تبلّغاً وتبالغ تبالغاً، والشق المشقة، وفيه لغتان، فتح الشين وكسرها، فالكسر عليه القراء السبعة. وبالفتح قرأ أبو جعفر المدني.
والشق أيضاً أحد قسمي الشيء الذي في احدى جهتيه، وقال قتادة: معناه بجهد الأنفس، وكسرت الشين من شق الانفس مع أن المصدر بفتح الشين لأمرين:
احدهما - قال قوم: هما لغتان في المصدر، قال الشاعر:

وذي إِبل يسعى ويحسبها له أخي نصب من شقها ودؤوب

بالكسر والفتح، وقال العجاج:

اصبح مسحول يوازي شقا

بالكسر والفتح بمعنى يقاسي مشقة، وقال قوم: ان المعنى إِلا بذهاب شق قوى النفس ذكره الفراء والزجاج، واختاره الطبري. وقوله { إن ربكم لرءوف رحيم } أي رؤوف بكم رحيم، ومن رحمته أنه خلق لكم الانعام لتنتفعوا بها، على ما ذكره.