التفاسير

< >
عرض

فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٨٢
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٣
-النحل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على وجه التسلية له عما كان يلحقه عند تولي الكفار عن الحق الذي يلزمهم، واعراضهم عن القبول منه { فإن تولوا } هؤلاء الكفار، وأعرضوا عنك فانه لا يلزمك تقصير من اجل ذلك، لان الذي يلزمك { البلاغ المبين } يعني الظاهر الذي يتمكنون معه من معرفته، وقد فعلته، وقد حذف جميع ذلك لدلالة الكلام عليه، ثم اخبر عنهم بأن قال هؤلاء الكفار { يعرفون نعمة الله } عليهم، مما يجدون من خلق نفوسهم، واقدارهم، واكمال عقولهم وما خلق الله من انواع المنافع، التي ينتفعون بها، ثم انهم مع ذلك ينكرون تلك النعم ان تكون من جهة الله ومنسوبة اليه، وينسبونها الى الاصنام ثم قال: { وأكثرهم الكافرون } وانما قال اكثرهم مع ان جميعهم كفار لامرين:
احدهما - لأن فيهم من لقّنوه الكفر، ممن لم يبلغ حدّ التكليف لصغره، ولم تقم الحجة عليه، أو من هو ناقص العقل مأووف فلا يحكم عليهم بالكفر.
الثاني - إِن منهم من ينكر النعمة، في حال لم يقم عليه حجة للشواغل في قلبه التي تلهيه عن تأمل امره، والفكر في حاله، فيكون في حال حكم الساهي والصبي، وإِن كان مكلفاً بغير ذلك من الامور، فلا يكون كافراً بالانكار في تلك الحال. وقال الجبائي: هو وإِن كان لفظاً خاصاً، فهو عام في المعنى. وقال الحسن: المعنى ان جميعهم الكافرون، وانما عزل البعض إِحتقاراً له أن يذكره.
وفي الآية الثانية - دلالة على فساد مذهب المجبرة: من أنه ليس لله على الكافر نعمة، وقولهم: إِن جميع ما فعله بهم نقمة وخذلان، حتى ارتكبوا المعصية، لان الله تعالى قد بين خلاف ذلك نصاً في هذه الآية.