التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً
٦٤
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً
٦٥
رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً
٦٦
-الإسراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حفص وحده { ورجلك } بكسر الجيم. الباقون بتسكينها.
من سكن أراد جمع (راجل) مثل صاحب وصحب، وراكب وركب. ومن كسر اراد قولهم: رجل يرجل، فهو راجل.
قوله: { واستفزز... وأجلب } صورته صورة الأمر والمراد به التهديد، وجرى مجرى قوله
{ اعملوا ما شئتم } وكما يقال للانسان: اجهد جهدك، فسترى ما ينزل بك، وانما جاء التهديد بصيغة الامر، لأنه بمنزلة من امر باهانة نفسه، لان هذا الذي يعمله هوان له وهو مأمور به. ومعنى { استفزز } استزل، يقال: استفزه واستزله بمعنى واحد، وتفزز الثوب اذ تمزق، وفززه تفززاً، وأصله القطع، فمعنى استفزه استزله بقطعه عن الصواب { من استطعت منهم } فالاستطاعة قوة تنطاع بها الجوارح للفعل، ومنه الطوع والطاعة، وهو الانقياد للفعل.
وقيل في الصوت الذي يستفزهم به قولان:
احدهما - قال مجاهد: صوت الغناء واللهو.
الثاني - قال ابن عباس: هو كل صوت يدعا به الى معصية الله. وقيل: كل صوت دعي به الى الفساد، فهو من صوت الشيطان.
وقال: { وأجلب عليهم بخيلك } فالاجتلاب السوق بجلبة من السائق. وفي المثل (اذا لم تغلب فاجلب) يقال: جلب يجلب جلباً واجلب إِجلاباً، واجتلب اجتلاباً، واستجلب استجلاباً، وجلّب تجليباً مثل صوّت، واصل الجلبة شدة الصوت، وبه يقع السّوق.
وقوله: { بخيلك ورجلك } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: كل راكب او ماشٍ في معصية الله من الانس والجن، فهو من خيل ابليس ورجله، والرجل جمع راجل مثل تجر وتاجر، وركب وراكب.
وقوله: { وشاركهم في الأموال والأولاد } فمشاركته إِياهم في الاموال كسبها من وجوه محظورة او إِنفاقها في وجوه محظورة، كما فعلوا في السائبة والبحيرة والحام، والاهلال به لغير الله، وغير ذلك. ومشاركته في الاولاد، قال مجاهد والضحاك: فهم اولاد الزنا. وقال ابن عباس: الموؤدة. وقيل: من هوّدوا ونصّروا، في قول الحسن وقتادة. وقال ابن عباس في رواية: هو تسميتهم عبد الحارث، وعبد شمس، وما اشبه ذلك. وقيل: ذلك واحد من هذه الوجوه، وهو أعم.
وقوله: { وعدهم } اي منّهم البقاء وطول الأمل. ثم قال تعالى { وما يعدهم الشيطان } أي ليس يعدهم الشيطان { إلا غروراً } ونصب على انه مفعول له [اي ليس يعدهم الشيطان الا لأجل الغرور]. ثم قال تعالى { إن عبادي } يعني الذين يطيعوني ويقرّون بتوحيدي ويصدقون أنبيائي، ويعملون بما اوجبه عليهم، وينتهون عن معاصيّ { ليس لك } يا ابليس { عليهم } حجة ولا سلطان. قال الجبائي: معناه ان عبادي ليس لك عليهم قدرة، على ضرّ ونفع اكثر من الوسوسة، والدعاء الى الفساد، فأمَّا على كفر أو ضرر، فلا، لانه خلق ضعيف متخلخل، لا يقدر على الاضرار بغيره.
ثم قال { وكفى بربك } اي حسب ربك { وكيلاً } اي حافظاً، ومن يسند الامر اليه ويستعان به في الامور.
ثم خاطب تعالى خلقه فقال: { ربكم الذي خلقكم } هو الذي { يزجي لكم الفلك في البحر } قال ابن عباس: معناه يجريها، وبه قال قتادة، وابن زيد يقال: أزجى يزجي ازجاء إِذا ساق الشيء حالاً بعد حال { لتبتغوا من فضله } اي لتطلبوا فضل الله في ركوب البحر من الارياح وغيرها { إنه كان بكم رحيماً } اي منعماً عليكم راحم لكم، يسهل لكم طرق ما تنتفعون بسلوكه ديناً ودنيا.