التفاسير

< >
عرض

وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً
٧٦
سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً
٧٧
أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً
٧٨
-الإسراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عامر واهل الكوفة الا ابا بكر { خلافك }. الباقون "خلفك" فمن قرأ "خلفك" فلقوله { فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها } }. وقوله { بمقعدهم خلاف رسول الله } اي لمخالفتهم إِياه، ومن قرأ { خلافك } قال بعدك وخلفك وخلافك بمعنى واحد، يقول الله تعالى { وإِن كادوا } يعني المشركين { ليستفزونك من الأرض } قال الحسن: معناه ليقتلونك، وقال غيره: الاستخفاف بالانزعاج. وقال ابو علي: همُّوا بأن يخرجوه من ارض العرب لا من مكة فقط، إِذ قد أخرجوه من مكة، وقال المعتمر ابن ابي سليمان عن ابيه: الارض التي ارادوا استزلاله منها: هي ارض المدينة، لان اليهود قالت له: هذه الارض ليست ارض الانبياء, وانما أَرض الانبياء الشام. وقال قتادة ومجاهد: هي مكة، لان قريشاً همّت بإِخراجه منها. ثم قال تعالى: انهم لو اخرجوك من هذه الارض لما لبثوا، لما اقاموا بعدك فيها إِلا قليلا. وقال ابن عباس والضحاك: المدة التي لبثوا بعده هو ما بين خروج النبي من مكة، وقتلهم يوم بدر. ومن قرأ خلافك اراد بعدك، كما قال الشاعر:

عقب الرذاذ خلافها فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا

الرذاذ المطر الخفيف، يصف روضة وأرضاً غبّ مطرها، وكانت حضراء وقال الحسن الاستفزاز - هاهنا - الفتل.
وقوله { وإِذاً لا يلبثون } بالرفع، لان (إِذاً) وقعت بعد الواو، فجاز فيها الالغاء، لانها متوسطة في الكلام، كما انه لا بد من ان تلغى في آخر الكلام.
وقوله { سنة من قد أرسلنا } انتصب { سنة } بمعنى لا يلبثون. وتقديره: لا يلبثون لعذابنا إِياهم كسنة من قبلك، إِذ فعلت اممهم مثل ذلك. ثم قال { لا تجد لسنتنا تحويلاً } اي تغييراً وانتقالاً من حالة إِلى حالة اخرى. بل هي على وتيرة واحدة. ثم امر نبيه صلى الله عليه وسلم فقال { أقم الصلاة } والمراد به أمّته معه { لدلوك الشمس } اختلفوا في الدلوك، فقال ابن عباس، وابن مسعود، وابن زيد: هو الغروب والصلاة المأمور بها - ها هنا - هي المغرب، وقال ابن عباس في رواية اخرى والحسن، ومجاهد، وقتادة: دلوكها زوالها، هوالمروي عن ابي جعفر وابي عبد الله (ع). وذلك ان الناظر اليها يدلك عينيه، لشدة شعاعها. واما عند غروبها فيدلك عينيه لقلة تبينها، والصلاة المأمور بها عند هؤلاء الظهر، وقال الراجز:

هذا مقام قدمي رباح للشمس حتى دلكت براح

ورباح اسم ساقي الابل. من روى بكسر الباء اراد براحته، قال الفراء: يقال: بالراحة على العين، فينظر هل غابت الشمس بعد، قال الفراء هكذا فسروه لنا، ومن رواه بفتح الباء جعله اسماً للشمس مبنياً على (فعال) مثل قطام وحذام وقال العجاج:

والشمس قد كادت تكون دنفا ادفعها بالراح كي تزحلفا

وغسق الليل ظهور ظلامه، ويقال غسقت القرحة إِذا انفجرت، فظهر ما فيها. وقال ابن عباس وقتادة: هو بدؤ الليل، قال الشاعر:

إِن هذا الليل اذ غسقا

وقال الجبائي غسق الليل ظلمته، وهو وقت عشاء الآخرة. وقوله { وقرآن الفجر } قال قوم يعني قرآن الفجر في الصلاة، وذلك يدل على أن الصلاة، لا تتم إِلا بالقراءة، لأنه أمر بالقراءة وأراد بها الصلاة، لأنها لا تتم إِلا بها.
وقوله: { إِن قرآن الفجر كان مشهوداً } معناه يشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار، ذهب اليه ابن عباس، وقتادة ومجاهد وابراهيم. وروي عن امير المؤمنين (ع) وأبي بن كعب أنها الصلاة الوسطى، وقال الحسن: { لدلوك الشمس } لزوالها: صلاة الظهر، وصلاة العصر الى { غسق الليل } صلاة المغرب والعشاء الآخرة، كأنه يقول من ذلك الوقت الى هذا الوقت على ما يبين لك من حال الصلوات الأربع، ثم صلاة الفجر، فأفردت بالذكر. وقال الزجاج: سمى صلاة الفجر { قرآن الفجر }، لتأكد أَمر القراءة في الصلاة، ومعنى { لدلوك الشمس } أَي عند دلوبها. واستدل قوم بهذه الآية على أَن وقت الاولى موسع الى آخر النهار، لأنه أَوجب إِقامة الصلاة من وقت دلوك الشمس الى وقت غسق الليل، وذلك يقتضي ان ما بينهما وقت. وهذا ليس بشيء، لأن من قال: إِن الدلوك هو الغروب لا دلالة فيها عليه عنده، لان من قال ذلك يقول: انه يجب إِقامة المغرب من عند المغرب الى وقت اختلاط الظلام الذي هو غروب الشفق، وما بين ذلك وقت المغرب. ومن قال: الدلوك هو الزوال يمكنه أَن يقول: المراد بالآية البيان لوجوب الصلواة الخمس على ما ذكره الحسن، لا بيان وقت صلاة واحدة، فلا دلالة له في الآية.
و { مشهوداً } قيل في معناه قولان:
احدهما - تشهده ملائكة الليل، والنهار.
والثاني - قال الجبائي: فيه حث للمسلمين على ان يحضروا هذه الصلاة ويشهدوها للجماعة.