أخبر الله تعالى: أنه أنزل القرآن وفيه شفاء، ووجه الشفاء فيه من وجوه:
أحدها - ما فيه من البيان الذي يزيل عمى الجهل وحيرة الشك.
وثانيها - أنه من جهة نظمه وتأليفه يدل على انه معجز دال على صدق من ظهر على يده.
وثالثها - انه يتبرك به فيدفع به كثيراً من المكاره والمضار، على ما يصح ويجوز في مقتضى الحكمة.
ورابعها - ما في العبادة بتلاوته من الصلاح الذي يدعو الى امثاله بالمشاكلة التي بينه وبينه الى غير ذلك. ثم قال: {ولا يزيد الظالمين} يعني القرآن لا يزيد الظالمين بمعنى انهم لا يزدادون عنده {إلا خساراً} يعني يخسرون ثوابهم ويستحقون العقاب لكفرهم به وحرمان أنفسهم تلك المنافع التي فيه، صار كأنه يزيد هؤلاء خسراناً بدل زيادة المؤمنين تقى وايماناً. ثم قال: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض} أي ولىّ عرضه، كأنه لم يقبل علينا بالدعاء والابتهال، وباعد عن انعامنا عليه بضروب النعم، فلا يشكرها، كما اعرض عن النعمة بالقرآن.
وقوله: {ونأى بجانبه} أي بعد بنفسه عن القيام بحقوق نعم الله. وقال مجاهد: معناه تباعد منا {وإذا مسه الشر كان يئوساً} يعني اذا لحق الانسان شر وبلاء {كان يئوساً} اي قنوطاً من رحمة الله، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم: {كلٌّ يعمل على شاكلته} أي على طريقته التي تشاكل اخلاقه. وقال مجاهد: على طبيعته. وقيل على عادته التي ألفها. والمعنى انه ينبغي للانسان ان يحذر إِلف الفساد فلا يستمر عليه، بل يرجع عنه. ثم قال: {وربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً} يعني انه عالم بمن يهتدي الى الحق ممن يسلك طريق الضلال، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.
وأَمال حمزة والكسائي {ونأى بجانبه} بكسر النون والهمزة، وأمالوا الياء، وأمالوا النون لمجاورة الهمزة، لأنها من حروف الحلق، كما يقولون: رغيف وشعير وبعير بكسر أولهن. وقرأ ابن عامر {وناء بجانبه} من ناء ينوء، فانقلبت الواو الفاً لانفتاح ما قبلها، ومدّت الالف تمكيناً للهمزة.
وقرأ ابو عامر عن عاصم وابو عمرو - في رواية عياش - "ونئي" بفتح النون وكسر الهمزة ممالاً ومثل ذلك رأى ورئي، وراء ورأه في القلب، فاذا قالوا فعلت، قالوا رأيت بلا خلاف. وانشد المبرد حاكياً عن ابي عبيد:
أغلام معلل راء رؤياً فهو يهذي بما رأى في المنام