التفاسير

< >
عرض

قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً
٨٨
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً
٨٩
وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً
٩٠
-الإسراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة { تفجر } بالتخفيف. الباقون بالتشديد، يقال: فجر يفجر بالتخفيف إِذا شق الأنهار، ومن شدد، فلقوله { وفجّرنا خلالها نهراً } اي مرة بعد مرة، ولقوله { فتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً } فالتفجير لا يكون إِلا من فجر.
في الآية الاولى، تحدي للخلق ان يأتوا بمثل هذا القرآن وأنهم يعجزون عن ذلك ولا يقدرون على معارضته، لأنه تعالى قال { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { لئن اجتمعت الإنس والجن } متعاونين متعاضدين { على أن يأتوا بمثل هذا القرآن } في فصاحته وبلاغته ونظمه، على الوجه الذي هو عليه، من كونه في الطبقة العليا من البلاغة وعلى حد يشكل على السامعين ما بينهما من التفاوت، لما أتوا بمثله، ولعجزوا عنه { ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } اي معيناً، والمثلية التي تحدوا بالمعارضة بها معتادة بينهم، كمعارضة علقمه لامرىء القيس، ومعارضة الحرث ابن حلزة عمرو بن كلثوم، ومعارضة جرير الفرزدق. وما كان ذلك خافياً عليهم.
ثم قال { ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل } وتصريفه إِياه هو توجيهه إِياه في معانٍ مختلفة. وقال الرماني: هو تصيير المعنى دائراً فيما كان من المعاني المختلفة. وذلك أنه لو أدير في المعاني المتفقة لم يعد ذلك تصريفاً، فالتصريف تصيير المعنى دائرا في الجهات المختلفة.
وقوله { لا يأتون بمثله } انما رفعه لانه غلب جواب القسم على جواب (إن) لوقوعه في صدر الكلام، وقد يجوز أَن يجزم على جواب (إِن) إِلا أَن الرفع الوجه، وقال الاعشى:

لئن منيت بنا عن غب معركة لا تلقنا من دماء القوم ننتقل

وقوله { فأبى أَكثر الناس إِلا كفوراً } معناه إِنما { صرّفنا في هذا القرآن من كل مثل } ليستدلوا به على كونه من قبل الله تعالى ومع ذلك يأبى أَكثر الناس إِلا الجحد به، وإِنكاره، فالكفور - ها هنا - هو الجحود للحق بالاستكبار. ويقولون مع ذلك { لن نؤمن لك } يا محمد { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } ومعناه حتى تشقق من الارض عيناً ينبع بالماء أَي يفور، فهو على وزن (مفعول) من (نبع)، يقال نبع الماء ينبع، فهو نابع، وجمعه ينابيع، وانما طلبوا عيوناً ببلدهم - في قول قتادة - والتفجير التشقيق عما يجري من ماء او ضياء، ومنه سمى الفجر، لانه ينشق عن عمود الصبح، ومنه الفجور، لأنه خروج الى الفساد لشق عمود الحق.