التفاسير

< >
عرض

أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً
٩١
أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً
٩٢
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً
٩٣
-الإسراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عامر { قال سبحان ربي }. الباقون { قل سبحان ربي } وقرأ اهل المدينة وابن عامر وعاصم { كسفاً } بفتح السين. الباقون باسكانها من قرأَ { قال سبحان } معناه إِن الرسول قال ذلك عند إِقتراحهم ما تقدم ذكره، مما لا يدخل تحت مقدور البشر. ومن قرأَ { قل } فعلى أَنه أُمر بأن يقول لهم ذلك ويقويه قوله { قل إِنما أنا بشر مثلكم } } قال ابو زيد: يقال: كسفت الثوب أَكسفه كسفاً إِذا قطعة قطعاً، والكسف القطع واحده كسفة مثل قطعة. قال ابو عبيد: كسفاً قطعاً. ومن فتح السين جعله جمع كسفة، قال كسَفاً مثل قطعة وقطع. ومن سكنه جاز ان يريد الجمع، مثل وسدرة. ويجوز ان يريد به المصدر. والمعنى اطبق علينا السماء كسفاً اي طبقاً.
نزلت هذه الآية في أَقوام اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات؛ قالوا { لن نؤمن لك } اي لن نصدقك في أَنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تأتي بها، وهم كانوا جماعة من قريش، منهم عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وابو سفيان، والاسود ابن المطلب بن أَسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وابو جهل ابن هشام، وعبد الله بن أَبي أُميَّة، وأميَّة بن خلف، والعاص بن وابل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان. على ما ذكر ابن عباس.
فمن الآيات التي اقترحوها ما ذكره في الآية المتقدمة بأن قالوا { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } اي تشقق لنا من الارض عيون ماء في بلادنا { أو تكون لك جنة } يعني بستاناً من نخيل وعنب، وتشقق الانهار خلالها اي في خلالها، ووسطها تشقيقاً { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } وقرىء بسكون السين، وفتحها، والكسف القطع، في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة. ويحتمل وجهين:
احدهما - ان يكون جمع كسفة وكسف بسكون السين كسدرة وسدر بسكون الدال، وهو للجنس يصلح، للكثير والقليل، ويقول العرب: اعطني كسفة من هذا الثوب أَي قطعة منه، حكى ذلك الفراء، انه سمعه من بعض العرب؛ ومن ذلك الكسوف، لانقطاع نوره.
والثاني - يجوز ان يكون الكسَف مصدراً من كسفت الشيء إِذا غطيته بالغطاء عمّن يراه, فكأنهم قالوا: تسقطها طبقاً علينا.
وقوله { أَو تأتي بالله والملائكة قبيلاً } فيه دلالة على أَنهم كانوا مشبهة، لأن العارف بالله على الحقيقة لا يقول هذا، لأنه لا يجوز عليه تعالى المقابلة، ولا لهم إِستعمال هذا على معنى دلائل وآيات الله إِذ لا دلائل تدل على ذلك، فلا يشرط في الظاهر ما ليس فيه، لانه لم يثبت معرفتهم وحكمتهم، فيصرف ذلك عن ظاهره. ومعنى { قبيلاً } قال الفراء: معناه كفيلاً بذلك؛ يقال قبلت وكفلت، وزعمت وحملت قَبِلَه. وقال غيره: يعني مقابلة. وقال قتادة وابن جريج والزجاج: معناه نعاينهم معاينة، قال الشاعر:

نصالحكم حتى تبؤوا بمثلها كصرخة حبلى بشّرتها قبيلها

اي قابلتها، وهي مقابلة لها، والعرب تجرية في هذا المعنى مجرى المصدر فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث.
وقوله { أو يكون لك بيت من زخرف } قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والفراء: يعني بيتاً من ذهب { أو ترقي في السماء } اي تصعد إِليها أَمامنا بحذائنا بسلم، قال الفراء إِنما قال في السماء، ولم يقل الى، لأن المراد او ترقى في سلم الى السماء، فأتى بـ (في) ليدل على ما قلناه يقال: رقيت في السلم أَرقى رقياً، ورقيت من الرقيا أرقوه رقياً ورقية { ولن نؤمن لرقيّك } اي لصعودك حتى تنزل علينا كتاباً مكتوباً نقرأه كما أنزل على موسى الالواح، فقال الله تعالى له { قل } يا محمد { سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً } وإِنما أجابهم بذلك، لان المعنى انكم تقترحون علي الآيات وليس أَمرها اليّ وإِنما أَمرها الى الذي أرسلني والذي هو أَعلم بالتدبير مني وما ينص عليه من الدليل، فلا وجه لطلبكم هذا مني مع ان هذه صفتي، لاني رسول أؤدي اليكم ما أوحي اليّ وأمرت بان أؤديه اليكم. ومن قرأ { قال سبحان } حمله على أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ابتداء من قبل نفسه، قبل ان يؤمر به، لعلمه بأن الآيات لا تتبع الشهوات، والاقتراحات، وانما تتبع المصالح، ولو تبعت الشهوات لكان كل واحد يقترح غير ما يقترحه الآخر فيؤدي الى الفساد.