التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً
٩٧
ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
٩٨
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً
٩٩
-الإسراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قيل في معنى قوله { من يهد الله فهو المهتد } قولان:
أحدهما - من يحكم الله بهدايته وتسميته بها بإِخلاصه الطاعة، فهو المهتدي في الحقيقة، وفيه دعاء الى الاهتداء، وترغيب فيه وحث عليه. وفيه معنى الامر به.
الثاني - من يهديه الله الى طريق الجنة، فهو المهتدي اليها.
وقوله { ومن يضلل } يحتمل ايضاً أمرين:
احدهما - من يحكم الله بضلاله وتسميته ضالاً بسوء اختياره للضلالة فإِنه لا ينفعه ولاية وليّ له، فلو تولاّه لم يعتد بتوليه، لأنه من اللغو الذي لا منزلة له، ولذلك حسن أَن ينفى، بمنزلة ما لم يكن.
والثاني - من يضله الله عن طريق الجنة، وأراد عقابه على معاصيه لم يوجد له ناصر يمنعه من عقابه.
ثم أَخبر عن صفة حشرهم الى أَرض القيامة، يعنى الكفار، إِنه يحشرهم { يوم القيامة } مجرورين { على وجوههم عمياً } كما عموا عن الحق في الدنيا { بكماً } جزاء على سكوتهم عن كلمة الاخلاص { وصماً } لتركهم سماع الحق واصغائهم إِلى الباطل { كلما خبت } النار، والخبوة هدوء النار عن الالتهاب خبت النار تخبو خبواً اذا سكنت، والمعنى: كلما سكنت التهبت واستعرت، وذلك من غير نقصان آلام أهلها، قال عدي بن زيد:

وسطه كالسراج أو سرح المجدل حيناً يخبو وحيناً يغير

فان قيل: كيف يحشرهم الله يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً، مع قوله { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها } وقوله { سمعوا لها تغيظاً وزفيراً } وقوله { دعوا هنالك ثبوراً } } قلنا عنه جوابان:
احدهما - انهم يحشرون كذلك، ثم يجعلون يبصرون ويشهدون وينطقون.
الثاني - قال ابن عباس والحسن: إِنهم عمي عمَّا يسرهم، بكم عن التكلم بما ينفعهم صم عما يمتعهم { مأواهم جهنم } أي مستقرهم.
فإِن قيل: لم جاز أن يكونوا عمياً عن العذاب يوم القيامة، ولم يجز أن يكونوا جهالاً به؟.
قلنا: لان الجاهل به لا يجد من ألمه ما يجده العالم، ولأن الحكمة تقتضي إِعلامه أن عقابه من أجل جرمه، لانه واقع موقع التوبيخ له، وموقع الزجر في الخبر به.
وقوله { ذلك } يعني ما قدم ذكره من العقاب { جزاؤهم } استحقوه بكفرهم بآيات الله.
وقوله { إِذا كنَّا عظاماً ورفاتاً } مثل التراب متحطمين مترضّضين { أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً } وإِنما قالوا ذلك، لانكارهم الحشر والبعث يوم القيامة والثواب والعقاب. ثم قال { أولم يروا } يعني هؤلاء الكفار { أن الله الذي خلق السماوات والأرض } لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقهما، { قادر على أن يخلق مثلهم } لأن القادر على الشيء قادر على أمثاله إِذا كان له مثل وأمثال في الجنس { وجعل لهم أجلاً } يعيشون اليه ويحشرون عنده، لا شك فيه. وقال الجبائي: جعل الله لهم أجلاً لمعادهم وحشرهم لا شك فيه.
ثم أخبر تعالى فقال { فأبى الظالمون } لنفوسهم الباخسون حقها بفعل المعاصي { إِلاّ كفوراً } أي كفروا وجحدوا بآيات الله ونعمه.
وفي الآية دلالة على ان القادر على الشيء قادر على جنس مثله إِذا كان له مثل. وفيه دلالة على أن يجب أن يكون قادراً على ضده، لأن منزلته في المقدور منزلة مثله. وفيه دلالة على انه يقدر على إِعادته إِذا كان مما يبقى وتصح عليه الاعادة.