التفاسير

< >
عرض

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً
٦
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً
٧
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً
٨
-الكهف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) { فلعلك } يا محمد قاتل نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا: { { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً... } تمرداً منهم على ربهم بأنهم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته عليك، فيصدقوا بأنه من عند الله - حزناً وتلهفاً ووجداً - بادبارهم عنك واعراضهم عن قبول ما اتيتهم به. و { أسفاً } نصب على المصدر. يقال بخع نفسه يبخعها بخعاً وبخوعاً، قال ذو الرمة:

ألا ايهذا الباخع الوجد نفسه لشئ نحته عن يديه المقادر

يريد (نحته) فخفف. وما ذكرناه قول قتادة وغيره. وقوله { أسفاً } قال قتادة: معناه غضباً وتقديره: فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً يعنى غضباً. وقال مجاهد: معناه جزعاً. وفى رواية أخرى عن قتادة: حزناً عليهم.
وفى رواية ثالثة عن قتادة حذراً. وكسرت { إن } لانها في معنى الجزاء ولو فتحت لجاز قال الشاعر:

اتجزع أن بان الخليط المودع وحبل الصفا من عزة المتقطع

وهذا معاتبة من الله لرسوله على وجده بمباعدة قومه إياه فيما دعاهم اليه من الايمان به والبراءة والآلهة والانداد، وكان بهم رحيماً، وهو قول ابن اسحاق.
وقوله { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } معناه انا جعلنا الذي على الارض من انواع المخلوقات جمادها وحيوانها ونباتها { زينة لها } يعني للارض { لنبلوهم أيهم } أي لنختبر عبادنا { أيهم أحسن عملاً } يعني من اتبع امرنا ونهينا وعمل فيها بطاعتنا، وهو قول مجاهد.
قوله تعالى { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } فيه اخبار من الله تعالى انا مخربوها بعد عمارتنا إياها بما جعلنا عليها من الزينة فنصيرها صعيداً جرزاً، والصعيد ظهر الارض، والجرز الذي لا نبات عليه ولا زرع ولا غرس. وقيل انه أراد بالصعيد - ها هنا - المستوي من وجه الارض. وقال ابن عباس: معناه نهلك كل شيء عليها زينة. وقال مجاهد: { جرزاً } أي بلقعاً. وقال قتادة: هو ما لا شجر فيه ولا نبات. وقال ابن زيد: الجرز الارض التي ليس فيها شيء، بدلالة قوله
{ { أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً } يعنى الارض التي ليس فيها شيء من النبات. والصعيد المستوي قال: وهو كقوله تعالى { { لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً } قال سيبويه: يقال جرزت الارض فهي مجروزة وجرزها الجراد والنعم، وارضون اجراز اذا كان لا شيء فيها، ويقال للسنة المجدبة جرز، وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلة امطارها. قال الراجز:

قد جرفتهن السنون الأجراز

ويقال: أجرز القوم إذا صارت ارضهم جرزاً، وجرزوا هم أرضهم أكلوا نباتها كله.