التفاسير

< >
عرض

وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً
٨٣
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً
٨٤
فَأَتْبَعَ سَبَباً
٨٥
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
٨٦
قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً
٨٧
-الكهف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات كوفي وحجازي وست بصري وشامي. عدّ اسماعيل والكوفيون والبصري والشامي "من كل شيءٍ سبباً آية وعدّ المدني الأخر والمكي والبصري والشامي عندها قوماً" آية جعلوا { فأتبع سبباً } بعض الآية الأولى ولم يعد أَهل الكوفة "قوماً" آخر آية بان جعلوا آخر الآية "حسناً".
قرأ ابن عامر وأهل الكوفة { فأتبع } بقطع الهمزة، وفتحها، وتخفيف التاء وسكونها، فيهن الباقون { فأتبع } جعلوها ألف وصل وشددوا التاء، وفتحوها. وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة إلا حفصاً وابو جعفر "حامية" بالف وتخفيف الهمزة. الباقون { حمئة } بلا الف، مهموز. قال أبو علي النحوي (تبع) فعل يتعدى الى مفعول واحد، فاذا نقلته بالهمزة يتعدى الى معفولين. قال الله تعالى
{ { وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة } وقال { { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة } لما بنى الفعل للمفعولين قام أحد المفعولين مقام الفاعل. واما { أتبعوا } فافتلعوا، فتعدى الى مفعول واحد، كما تعدى افعلوا اليه، مثل شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته. وقوله { { فأتبعوهم مشرقين } تقديره فاتبعوهم جنودهم فحذف أحد المفعولين، كما حذف من قوله { { لينذر بأساً شديداً من لدنه } ومن قوله { { لا يكادون يفقهون قولاً } والمعنى لا يكادون يفقهون أحداً، ولينذر الناس بأساً شديداً، فمن قطع الهمزة فتقديره فاتبع أمره سبباً او اتبع ما هو عليه سبباً [والسبب ها هنا الطريق مثل السبيل. والسبب الحبل. والسبب القرابة].
وقال ابو عبيدة { في عين [حمئة } بالألف ذات حمأة. وقال ابو علي من قرأ حمئه بغير الف فهي فعله. ومن قرأ { حاميه }] فهي فاعلة من حميت فهي حامية، قال الحسن: يعني حارة. ويجوز فيمن قرأ { حامية } أن تكون فاعلة من الحمأة، فخفف الهمزة وقلبها ياء على قياس قول أبي الحسن. وإن خفف الهمزة على قول الخليل كانت بين بين. وقرأ ابن عباس { في عين حمئة } وقال هي ماء وطين. وتقول العرب: حمأت البئر إذا أخرجت منها الحمأة، واحمأتها إذا طرحت فيها الحمأة. وحمئت تحمأ ومعنى حمئة صار فيها الحمأه. فاما قولهم هذا حم لفلان، ففيه أربع لغات حمو وحمو وحماء وحم. وذكر اللحياني لغة خامسة وسادسة: الحمو مثل العفو، والحمأ مثل الخطأ. وكل قرابة من قبل الزوج، فهم الاحماء وكل قرابة من قبل النساء فهم الاختان والصهر يجمعهما، وأم الرجل ختنه وابوه ختنه وام الزوج حماة وأبوها حمو. وقال ابو الاسود الدؤلي شاهد لابي عمرو فى عين حمئة:

تجيء بملئها طوراً وطوراً تجيء بحمأة وقليل ماء

يقول الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) يسألونك يا محمد عن ذي القرنين واخباره وسيرته، وكان السائل عن ذلك قوماً من اليهود. وقيل كانوا قوماً من مشركي العرب، فقل لهم يا محمد، { سأتلوا عليكم } يعني سأقرأ عليكم من خبره ذكراً. ثم قال تعالى مخبراً له { إنا مكنا له في الأرض } أي بسطنا يده فيها وقويناه { وآتيناه من كل شيء سبباً } ومعناه علماً يتسبب به الى ما يريده - في قول ابن عباس وقتادة وابن زيد والضحاك وابن جريج - وقيل { آتيناه من كل شيءٍ سبباً } يعني ما يتوصل به الى مراده. ويقال للطريق الى الشيء سبب وللحبل سبب وللباب سبب { فأتبع سبباً } أي سبباً من الأسباب التي أوتي. ومن قرأ بقطع الهمزة أراد فلحق سبباً، يقال ما زلت أتبعه حتى اتبعته أي لحقته.
وقوله { فأتبع سبباً } قال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد: معناه طرقاً من المشرق والمغرب. وقيل معنى { وآتيناه من كل شيءٍ سبباً } ليسيعين به على الملوك وفتح الفتوح، وقتل الاعداء فى الحروب { فأتبع سبباً } أي طريقاً الى ما أريد منه. وقيل سمي { ذي القرنين } لأنه كان في رأسه شبه القرنين. وقيل سمي بذلك لأنه ضرب على جابي رأسه. وقيل: لانه كانت له ضفيرتان. وقيل لانه بلغ قرئي الشمس مطلعها ومغربها. وقيل: لانه بلغ قطري الارض من المشرق والمغرب.
وقوله { حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة } أي فى عين ماء ذات حمأة - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير - ومن قرأ "حامية" أراد حارة، فى قول الحسن. وقرئ به في احدى الروايتين عن ابن عباس كقول ابي الاسود الدؤلي.

تجيء بملئها طوراً وطوراً تجيء بحمأة وقليل ماء

وقال ابو علي الجبائي، والبلخي: المعنى وجدها كانها تغرب في عين حمئة، وإن كانت تغيب وراءها. قال البلخي لان الشمس اكبر من الارض بكثير، وأنكر ذلك ابن الاخشاد. وقال: بل هي فى الحقيقة تغيب فى عين حمئة على ظاهر القرآن.
وقوله { ووجد عندها قوماً قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً } معناه إما أن تعذبهم بالقتل لاقامتهم على الشرك بالله { وإما أن تتخذ فيهم حسناً } بان تأسرهم فتعلمهم الهدى وتستنقذهم من العمى، فقال ذو القرنين - لما خيره الله فى ذلك { أما من ظلم نفسه } بأن عصى الله وأشرك به { فسوف نعذبه } يعني بالقتل ويرد فيما بعد { إلى ربه فيعذبه }، يوم القيامة { عذاباً نكراً } أي عظيماً منكراً تنكره النفس من جهة الطبع، وهو عذاب النار، وهو أشد من القتل في الدنيا.