التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً
٩٢
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً
٩٣
قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً
٩٤
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً
٩٥
-الكهف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وابو عمرو وعاصم في رواية حفص "السدين" - بالفتح - الباقون بالضم. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً وحده "يفقهون" بضم الياء وكسر القاف. الباقون بفتح الياء والقاف. وقرأ عاصم وحده "يأجوج ومأجوج" بالهمز. الباقون بلا همز. وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً "خراجاً" بالف. الباقون { خرجاً } بغير الف.
اخبر الله تعالى عن حال ذي القرنين أنه اتبع طريقاً الى جهاد الكفار الى ان بلغ بين السدين ووصل الى ما بينهما، وهما الجبلان اللذان جعل الردم بينهما - فى قول ابن عباس وقتادة والضحاك. والسد وضع ما ينتفي به الخرق، يقال: سده يسده سداً فهو ساد، والشيء مسدود، وانسد انسداداً، ومنه سدد السهم، لأنه سد عليه طرق الاضطراب. ومنه السداد الصواب، والسد الحاجز بينك وبين الشيء. قال الكسائي: الضم والفتح في السد بمعنى واحد. وقال أبو عبيدة وعكرمة: (السد) - بالضم - من فعل الله، وبالفتح من فعل الآدميين.
وقوله { وجد من دونهما } يعني دون السدين { قوماً لا يكادون يفقهون قولاً } اي لا يفهمونه. ومن ضم الياء أراد لا يفهمون غيرهم، لاختلاف لغتهم عن سائر اللغات، وانما قال { لا يكادون } لانهم فقهوا بعض الشيء عنهم، وإن كان بعد شدة، ولذلك حكي عنهم أنهم قالوا { إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض } والفقه فهم متضمن المعنى، والفهم للقول هو الذي يعلم به متضمن معناه يقال: فقه يفقه وفقه يفقه.
وقوله { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض } حكاية عما قال القوم الذين وجدهم ذو القرنين من دون السدين، فقالوا إن هؤلاء مفسدون في الارض أي في تخريب الديار، وقطع الطرق، وغير ذلك.
{ فهل نجعل لك خراجاً } فمن قرأ بالألف، فانه أراد الغلة. ومن قرأ بلا ألف أراد الأجر { على أن تجعل بيننا وبينهم } يعني بيننا وبين يأجوج ومأجوج "سداً" قال لهم ذو القرنين { ما مكني فيه ربي خير } من الاجر الذي تعرضون عليّ { فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً } فالردم أشد الحجاب - فى قول ابن عباس -، يقال: ردم فلان موضع كذا يردمه ردماً، وردم ثوبه ترديماً إذا اكثر الرقاع فيه، ومنه قول عنترة:

هل غادر الشعراء من متردّم أم هل عرفت الدار بعد توهم

اي هل تركوا من قول يؤلف تأليف الثوب المرقع. وقيل الردم السد المتراكب وقرأ ابن كثير "مكنني" بنونين. الباقون بنون واحدة مشددة. من شدد أدغم كراهية المثلين. ومن لم يدغم قال: لانها من كلمتين، لان النون الثانية للفاعل، والياء للمتكلم، وهو مفعول به.
وقوله { أعينوني بقوة } أي برجال يبنون، و (الخرج) المصدر لما يجرج من المال، والخراج الاسم لما يخرج عن الارض ونحوها. وترك الهمزة في { ياجوج وما جوج } هو الاختيار، لان الاسماء الاعجمية لا تهمز مثل (طالوت، وجالوت، وهاروت، وماروت). ومن همز قال: لانه ماخوذ من اجج الثار ومن الملح الأجاج، فيكون (مفعولا) منه فى قول من جعله عربياً، وترك صرفه للتعريف والتأنيث، لانه اسم قبيلة ولو قال: لو كان عربياً لكان هذا اشقتاقه ولكنه أعجمي فلا يشتق لكان أصوب قال رؤبة:

لو ان ياجوج وماجوج معاً وعاد عاد واستجاشوا تبعا

فترك الصرف فى الشعر، كما هو في التنزيل، وجمع يأجوج يآجيج، مثل يعقوب ويعاقيب لذكر الحجل، وولد القبج السلك والانثى سلكة ومن جعل { يأجوج ومأجوج } فاعولا جمعه يواجيج بالواو، مثل طاغوت وطواغيت. وهاروت وهواريت. واما مأجوج فى قول من همز، فـ (مفعول) من أج، كما أن ياجوج (يفعول) منه. فالكلمتان على هذا من أصل واحد في الاشتقاق، ومن لم يهمز ياجوج، كان عنده (فاعول) من (يج) كما ان ماجوج (فاعول) من (مج) فالكلمتان على هذا من أصلين، وليسا فى أصل واحد، كما كانا كذلك فيمن همزهما، وإن كانا من العحمي فهذه التقديرات لا تصح فيهما. وانما مثل بها على وجه التقدير على ما مضى. وقال الجبائي والبخلي وغيرهما: إن ياجوج وماجوج قبيلان من ولد آدم. وقال الجبائي: قيل: انهما من ولد يافث بن نوح، ومن نسلهم الاتراك. وقال سعيد ابن جبير: قوله { مفسدون في الأرض } معناه يأكلون الناس. وقال قوم: معناه انهم سيفسدون، ذهب اليه قتادة.