التفاسير

< >
عرض

إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً
٩٣
لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً
٩٤
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً
٩٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً
٩٦
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً
٩٧
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً
٩٨
-مريم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى ليس كل من في السموات والارض من العقلاء إلا وهو يأتي الرحمن عبداً مملوكاً لا يمكنهم جحده، ولا الامتناع منه، لانه يملك التصرف فيهم كيف شاء. ثم قال تعالى إنه { قد أحصاهم وعدهم عدّاً } أي علم تفاصيلهم وأعدادهم فكانه عدهم، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم. ثم قال: وجميعهم يأتي الله يوم القيامة فرداً مفرداً، لا أحد معه ولا ناصر له ولا أعوان، لان كل احد مشغول بنفسه لا يهمه هم غيره. ثم قال تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي آمنوا بالله ووحدانيته وصدقوا أنبياءه، وعملوا بالطاعات سيجعل الله لهم ودّاً أي سيجعل بعضهم يحب بعضاً، وفي ذلك أعظم السرور وأتم النعمة، لانها كمحبة الوالد لولده البار به. وقال ابن عباس ومجاهد: { سيجعل لهم الرحمن وداً } فى الدنيا. وقال الربيع بن أنس إذا أحب الله عبداً طرح محبته في قلوب أهل السماء، وفى قلوب أهل الارض. ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { إنما يسرناه بلسانك } يعني القرآن { لتبشر به المتقين } لمعاصي الله بالجنة { وتنذر به } أي تخوف به { قوماً لداً } أي قوماً ذوي جدل مخاصمين - فى قول قتادة - وهو من اللدد، وهو شدة الخصومة، ومنه تعالى { { وهو ألد الخصام } أي أشد الخصام خصومة وهو جمع ألد. كـ (أصم، وصم) قال الشاعر:

إن تحت الاحجار حزماً وعزماً وخصيماً ألدّ ذا معلاق

ثم اخبر الله تعالى فقال { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحسّ منهم من أحد } أي هل تدرك احداً منهم { أو تسمع لهم ركزاً } قال ابن عباس وقتادة والضحاك: الركز الصوت. وقال ابن زيد: هو الحسّ، والمراد - ها هنا - الصوت، ومنه الركاز، لانه يحسّ به حال من تقدم بالكشف عنه، قال الشاعر:

فتوجست ركز الأنيس فراعها عن ظهر غيب والانيس سقامها

والمعنى: إنا قد اهلكنا امماً كثيرة اعظم منهم كثرة، واكثر اموالا واشد خصاماً فلم يغنهم ذلك لما اردنا اهلاكهم، فكيف ينفع هؤلاء ذلك، وهم اضعف منهم فى جميع الوجوه، وبين ان حكم هؤلاء حكم اولئك في ان لا يبقى لهم عين ولا اثر.