التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

آلم
آية عند الكوفيين
المعنى: ـ واختلف العلماء في معنى أوائل هذه السور مثل { آلم } و { آلمص } و { كهيعص } و { طه } و { صاد } و { قاف } و { حم } وغير ذلك على وجوه فقال بعضهم انها إسم من أسماء القرآن ذهب اليه قتادة ومجاهد وابن جريح وقال بعضهم هي فواتح يفتح بها القرآن، روي ذلك عن مجاهد أيضاً واختاره البلخي وفائدتها أن يعلم ابتداء السورة وانقضاء ما قبلها وذلك معروف في كلام العرب وأنشد بعضهم

بل وبلدة ما الأنس من أهلها

ويقول آخر

بل ما هيج أحزانا وشجواً قد شجا

وقوله (بل) ليس من الشعر وانما أراد أن يعلم أنه قطع كلامه وأخذ في غيره وأنه مبتدأ الذي أخذ فيه غير ناسق له على قبله وقال بعضهم هي اسم للسورة روي ذلك عن زيد بن أسلم والحسن وقال بعضهم هي اسم الله الأعظم وروي ذلك عن السدي اسماعيل وعن الشعبي وقال بعضهم هي قسم اقسم الله به وهي من اسمائه وروي ذلك عن ابن عباس وعكرمة وقال قوم هي حروف مقطعة من اسماء واقعاً كل حرف من ذلك بمعنى غير معنى الحرف الآخر يعرفه النبي صلى الله عليه وآله نحو قال الشاعر

نادوهم أن ألجموا ألاتا قالوا جميعاً كلهم ألافا

يريد ألا تركبون قالوا ألا فاركبوا وقال آخر:

قلنا لها قفي فقالت قاف

بمعنى قالت انا واقفه. روى ذلك أبو الضحى عن ابن عباس وعن ابن مسعود وجماعة من الصحابة وقال بعضهم هي حروف هجاء موضوعة. روي ذلك عن مجاهد وقال بعضهم هي حروف هجاء يشتمل كل حرف على معان مختلفة. روي ذلك عن أنس واختاره الطبري وقال بعضهم هي حروف من حساب الجمل وقال بعضهم لكل كتاب سر وسر القرآن في فواتحه. هذه أقوال المفسرين فاما أهل اللغة فانهم اختلفوا فقال بعضهم هي حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تمام ثمانية وعشرين حرفا كما يستغنى بذكر أ ب ت ث عن ذكر الباقي وبذكر قفا نبك عن ذكر باقي القصيدة قالوا ولذلك رفع ذلك الكتاب لأن معناه عن الألف واللام والميم من الحروف المقطعة وقوله ذلك الكتاب الذي أنزلته اليك مجموعاً لا ريب فيه كما قالوا في أبي جاد أ ب ت ث ولم يذكروا باقي الحروف وقال راجز بني أسد:

لما رأيت أمرها في حطي أخذت منها بقرون شمط

فاراد الخبر عن المرأة بانها من أبي جاد فاقام قوله في حطي مقامه لدلالة الكلام عليه وقال آخرون بل ابتدئت بذلك أوائل السور ليفتح لاستماعه أسماع المشركين اذ تواصوا بالاعراض عن القرآن حتى اذا استمعوا له، تلا عليهم آلم. وقال بعضهم الحروف التي هي اوائل السور حروف يفتتح الله بها كلامه وقال ابو مسلم: المراد بذلك، ان هذا القرآن الذى عجزتم عن معارضته، ولم تقدروا على الاتيان بمثله هو من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في كلامكم وخطابكم، فحيث لم تقدروا عليه فاعلموا انه من فعل الله، وانما كررت في مواضع استظهاراً في الحجة وحكي ذلك عن قطرب. وروي في اخبارنا ان ذلك من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، واختاره الحسين بن علي المغربي واحسن الوجوه التي قبلت قول من قال: انها اسماء للسور خص الله تعالى بها بعض السور بتلك كما قيل للمعوذتين: المقشقشتان؛ أي تبرءان من النفاق، وكما سميت الحمد أم القرآن وفاتحة الكتاب. ولا يلزم أن لا تشترك سورتان أو ثلاث في إسم واحد، وذلك أنه كما يشترك جماعة من الناس في إسم واحد، فاذا اريد التمييز زيد في صفته، وكذلك اذا أرادوا تمييز السورة قالوا: الم ذلك، الم الله، الم، وغير ذلك. وليس لأحد أن يقول: كيف تكون أسماء للسور، والاسم غير المسمى، فكان يجب ألا تكون هذه الحروف من السورة، وذلك خلاف الاجماع. قيل: لا يمتنع أن يسمى الشيء ببعض ما فيه، ألا ترى انهم قالوا: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، ولا خلاف انها اسماء للسور وان كانت بعضاً للسور، ومن فرق بين الأشخاص وغيرها في هذا المعنى: فاوجب في الأشخاص أن يكون الاسم غير المسمى ولم يوجب في غيرها، فقد أبعد، لأنه لا فرق بين الموضعين على ما مضى القول فيه، ولا يلزم أن تسمى كل سورة بمثل ذلك، لأن المصلحة في ذلك معتبرة، وقد سمى الله كل سورة بتسمية تخصها وإن لم تكن من هذا الجنس، كما انه لما سمى الحمد باسمائها لم يلزم ذلك في كل سورة.
وقيل انها أوائل أسماء يعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) تمامها، والغرض بها، نحو ما رويناه عن ابن عباس، كما قال الشاعر:

سألتها الوصل فقالت: قاف

يعني: وقفت. وقال آخر:

بالخير خيرات وإن شراً فا

يريد: فشراً، وقال آخر:

ولا أريد الشر إلا أن تا

يعني: إلا أن تشاء. وقال آخر:

ما للظليم عال كيف لا يا ينقد عنه جلده اذا يا

أي: اذا يفزع. فعلى هذا يحتمل ان يكون الالف: انا، واللام: الله، والميم: اعلم، وكذلك القول في لحروف، وعلى هذا لا موضع (لالف لام ميم) من الاعراب، وعلى قول من قال انها اسماء السور موضعها الرفع، كأنه قال هذه الم، او يكون ابتداءه ويكون خبره ذلك الكتاب، واجمع النحويون على ان هذه الحروف وجميع حروف الهجاء مبنية على الوقف لا تعرب، كما بني العدد على الوقف، ولأجل ذلك جاز ان يجمع بين ساكنين كما جاز ذلك في العدد، تقول واحد، اثنان، ثلاثة، اربعة، فتقطع الف اثنين وهي الف وصل، وتذكر الهاء في ثلاثة واربعة، فلو لم تنو الوقف لقلت ثلاث بالثاء. وحكي عن عاصم في الشواذ وغيره آلم الله بقطع الهمزة، الباقون بفتح الميم، وقالوا فتح الميم لالتقاء الساكنين وقال قوم: لأنه نقل حركة الهمزة اليه، واختار ابو علي الاول، لأن همزة الوصل تسقط في الوصل، فلا يبقى هناك حركة تنقل، وانشد في نقل حركة همزة الوصل قول الشاعر

اقبلت من عند زياد كالخرف تخط رجلاي بخط مختلف
فيكتبان في الطريق لام الف

ومتى أجريتها مجرى الأسماء لا الحكاية واخبرت عنها، قلت: هذه كاف حسنة، وهذا كاف حسن، وكذلك باقي الحروف فتذكر وتؤنث، فمن أنث قصد الكلمة، ومن ذكر قصد الحرف، فأما إعراب: ابي جاد، هواز، وحطي وكلمن، فزعم سيبويه انها مصروفات، تقول: علمت ابا جاد، ونفعني ابو جاد، وانتفعت بأبي جاد. وكذلك: هوازٌ، وهوازٍ، وهوازاً. وحطياً، وحطيُّ، وحطيٍ، وأما كلمن وسعفص وقرشيات فأعجميات، تقول: هذه كلمن، وتعلمت كلمن، وانتفعت بكلمن، وكذلك سعفص وقرشيات اسم للجمع مصروفة لأجل الألف والتاء. وأما معنى ابي جاد، فقال الضحاك: انها اسماء الايام الستة التي خلق الله تعالى فيها الدنيا وقال الشعبي: انها أسماء ملوك مدين، وانشد:

ألا يا شعيب قد نطقت مقالة سببت بها عمرواً وأوحى بني عمرو
ملوك بي حطي وهواز منهم وسعفص أهل للمكارم والفخر
هم صبحوا أهل الحجاز بغارة لميل شعاع الشمس أو مطلع الفجر

وروي عن ابن عباس ان لأبي جاد حديثاً عجيباً، ابي: آدم جد في اكل الشجرة، وهواز: فزل آدم فهوى من السماء إلى الارض. واما حطي فحطت عنه خطيئته واما كلمن فأكل من الشجرة ومنَّ عليه بالتوبة. وسعفص: عصى آدم فاخرج من النعيم إلى الكبد. وقرشيات: اقر بالذنب فسلم من العقوبة وهذا خبر ضعيف يتضمن وصف آدم، وهو نبي بما لا يليق به.
وقال قوم: انها حروف من أسماء الله، وروي ذلك عن معاوية بن قرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم).