التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
١٠٣
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

الاعراب:
الضمير في قوله: { ولو أنهم آمنوا } عائد على الذين يتعلمون السحر. قال الحسن: تعلموا ان ثواب الله خير لهم من السحر. وأما جواب لو فللنحويين فيه قولان. فالبصريون يذهبون إلى ان جوابه محذوف، وتقديره. ولا ثيبوا. واوقع لمثوبة من عند الله موقعه لدلالته عليه. وقال بعضهم: التقدير ولو انهم آمنوا واتقوا لأثيبوا؛ ثم قال: { ولمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون } أي لو كانوا يستعملون ما يعلمون. وليس انهم كانوا يجهلون ذلك، كما يقول الانسان لصاحبه وهو يعظه: ـ ما أدعوك اليه خير لك لو كنت تعقل أو تنظر في العواقب والفكر فيها. وقال الفراء: الجواب في { لمثوبة }.، لأن "لو" اشبهت لئن، من حيث كان كل واحد منهما جزاء، فلما اشبهتها اجيبت بجوابها، فالمعنى لئن آمنوا لمثوبة. فعلى القول الاول، لا يجوز، لو أتاني زيد لعمرو خير منه. وعلى الثاني يجوز. ولو قلت لو اتاني زيد، لاكرامي خير له، جاز على الوجهين. واللام التي في { لمثوبة } لام الابتداء، لأنها دخلت على الاسم، كما دخلت في (علمت لزيد خير منك). ولو جاز ها هنا، لام القسم، لنصبت الاسم في علمت.
المعنى:
فان قيل ما معنى قول الله تعالى { لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون } وهو خير علموا أو لم يعلموا؟ قيل: لو كانوا يعلمون، لظهر لهم بالعلم ذلك، أي لعلموا أن ثواب الله خير من السحر. وقال ابو علي: المعني في ذلك الدلالة على جهلهم، والترغيب لهم في ان يعلموا ذلك، وان يطلبوا ما هو خير لهم من السحر ـ وهو ثواب الله الذي ينال بطاعته، واتباع مرضاته. وفيه دلالة على بطلان قول اصحاب المعارف، لأنهم لو كانوا عارفين ـ على ما يقولونه، لما قال: { لو كانوا يعلمون }.
والمثوبة: الثواب ـ في قول قتادة والسدي والربيع ـ والثواب: هو الجزاء على العمل بالاحسان وهو منافع مستحقة يقاربها تعظيم وتبجيل.
اللغة:
والمثوبة والثواب والاجر نظائر. ونقيض المثوبة العقوبة، يقال ثاب يثوب ثوباً وإثابة، واثابه اثابة، وثواباً، ومثوبة، واستثابة. وثوّب تثويباً. والثواب في الاصل معناه: ما رجع اليك من شيء. تقول اعترت الرجل غشية، ثم ثابت اليه نفسه، ولذلك صار حق الثواب الجزاء، لأنه العائد على صاحبه مكافأة ما فعل. ومنه التثويب في الاذان وغيره: وهو ترجيع الصوت، ولا يقال، ذلك للصوت مرة واحدة. ويقال ثوب الداعي اذا كرر دعاءه إلى الحرب، أو غيرها. ويقال انهزم القوم ثم ثابوا، أي رجعوا. والثوب مشتق من هذا، لأنه ثاب لباساً بعد أن كان قطناً، أو غزلاً. والثيّب: التي قد تزوجت بوجه ما كان، ولا يوصف به الرجل إلا ان تقول ولد الثيبين وولد البكرين. والمثابة: الموضع الذي يثوب اليه الناس. قال الله تعالى: { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } أي مجتمعاً بعد التفرق. ان لم يكن تفرقوا من هناك، فقد كانوا متفرقين ثابوا اليه. ويقال ثاب الحوض ثئوباً اذا امتلأ أو كاد يمتلىء. وأصل الباب الثوب: الرجوع
القراءة:
قرأ قتادة (لمثوبة) بسكون الثاء وفتح الواو ـ وهي لغة جازت على الاصل ـ كما قالوا: مشورة ومشورة ـ بفتح الواو وسكون الشين، وضم الشين وسكون الواو ـ والقراء على خلافه. والعرب مجمعون على إلقاء الالف من قولهم: هذا خير منك، وشر منك، إلا بعض بني عامر يقولون: ما اريد خيراً اخير من ذا. وقال بعضهم أيضاً: هذا أشر من ذا ـ والوجه طرح الالف ـ