التفاسير

< >
عرض

قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
١٣٦
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قوله تعالى: { قولوا آمنا بالله } يحتمل ان يكون جوابا ـ على ما روي عن ابن عباس: أن نفراً من اليهود أتوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، فقال أؤمن بالله وما أنزل الينا وما انزل إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط.. إلى آخرها ـ، فلما ذكر عيسى جحدوا بنبوته، وقالوا: لا نؤمن بعيسى ولا نؤمن بمن آمن به، فأنزل الله فيهم { { قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون } }. والثاني ـ قال الحسن وقتادة: أمر الله المؤمنين أن يقولوا: { آمنا بالله وما أنزل إلينا } الآية، وجعل ذلك محنة فيما بينهم وبين اليهود والنصارى.
اللغة:
والاسباط جمع سبط. قال تغلب: يقال: سبط عليه العطاء والضرب: اذا تابع عليه حتى يصل بعضه ببعض وانشد الثوري في قطيع بقر:

كأنه سبط من الاسباط

شبهه بالجماعة من الناس يتتابعون في أمر. والسبط: جماعة. ومن ثم قيل لولد يعقوب أسباط. وشعر سبط: سلس منبسط. ومنه سمي الساباط لانبساطه بين الدارين حتى يجمعهما. والسباطة: الكناسة بعضها إلى بعض. وقال ابن دريد: السبط واحد الاسباط، وهم أولاد اسرائيل. وقالوا: الحسن والحسين سبطا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أي ولداه. والسباطة ما سقط من سقط الشعر اذا سرحته. واخذت فلاناً سباط: اذا اخذته الحمى. والسبط من اليهود بمنزلة القبيلة من قبائل العرب. ويقال هو سبط الكفين: اذا كان طويل الاصابع. والسبط: قناة جوفاء مضروبة بالقصب يرمى فيها سهام صغار ينفخ نفخاً لا يكاد يخطىء وأصل الباب: السبط وهو التتابع. وقال الزجاج: السبط الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد. والسبط: الشجر. والسبط: الذين من شجرة واحدة. وقال قتادة: الاسباط يوسف واخوته ولد يعقوب اثني عشر رجلا فولد كل واحد منهم أمة من الناس. فسموا الاسباط وبه قال السدي والربيع وابن إسحاق. واسماء الاثني عشر ذكروهم: يوسف ويامين، وروبيل، ويهوذا، وشمعون، ولاوي، ودان، وقهاب، ويشجر، وتفنالى، وجاذ، واشر. ولا خلاف بين المفسرين انهم ولد يعقوب. وقال كثير من المفسرين: انهم كانوا انبياء. والذي يقتضيه مذهبنا انهم لم يكونوا أنبياء باجمعهم، لانه وقع منهم من المعصية ما فعلوه مع يوسف (ع) ما لا خفاء به، والنبي عندنا، لا يجوز عليه فعل القبائح: لا صغيرها، ولا كبيرها، فلا يصح مع ذلك القول بنبوتهم. وليس في ظاهر القرآن أنهم كانوا انبياء وقوله تعالى: { وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } لا يدل على انهم كانوا أنبياء لأن الانزال يجوز أن يكون على بعضهم ممن كان نبياً، ولم يقع منه ما ذكرناه من الافعال القبيحة. ويحتمل أن يكون المراد انهم امروا باتباعه. كما يقال: انزل الله إلى امة النبي (صلى الله عليه وسلم) القرآن. كما قال: { وما أنزل إلينا } وان كان المنزل على النبي (صلى الله عليه وسلم)، لكن لما كانوا مأمورين بما فيه اضيف بانه انزل اليهم.
ومعنى قوله: { لا نفرق بين أحد منهم } انا لا نؤمن ببعض الانبياء ونكفر ببعض، كما فعلت اليهود والنصارى، فكفرت اليهود بعيسى ومحمد (صلى الله عليه وسلم) وكفرت النصارى بسليمان ونبينا محمد صلى الله عليهما.
وقوله تعالى: { ونحن له مسلمون } خاضعون بالطاعة. وقيل: مذعنون له بالعبودية وقيل مستسلمون لامره، ونهيه اعتقاداً وفعلا قيل داخلون في حكم الاسلام الذي هو دينه، كما قال: { إن الدين عند الله الإسلام } والفرق بين التفريق والفرق ان التفريق جعل الشيء مفارقا لغيره، والفرق نقيض الجمع، والجمع جعل الشيء مع غيره، والفرق جعل الشيء لا مع غيره والفرق بالحجة هو البيان الذي يشهد ان الحكم لاحد الشيئين دون الآخر، وفائدة الآية الامر بالايمان بالله والاقرار بالنبيين، وما انزل اليهم من الكتب ليتعبدوا به من الاحكام، والرد على من فرق بينهم فيما جمعهم الله عليه من النبوة.