التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤١
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
قيل في تكرار قوله تلك امة قد خلت قولان:
احدهما ـ انه عنى بالاول: ابراهيم ومن ذكر معه من الانبياء.
والثاني ـ عنى به اسلافهم من آبائهم الذين هم على ملتهم.
والقول الثاني ان الجواب اذا اختلفت أوقاته فكان الثاني في غير موطن الاول، وكان بعد مدة من وقوع الاول بحسب ما اقتضاه الحال لم يكن ذلك معيباً عند أهل اللغة ولا عند العقلاء، والاعتراض عليهم بقوله { تلك أمة قد خلت } انه اذا لم تشكوا أن يكون فرضهم غير فرض الامة التي قد خلت قبلكم، ولا تحتجوا بأنه لا يجوز أن يخالفوا عليه، ولو سلم لكم أنهم كانوا على ما تذكرونه ما جاز لكم أن تتركوا ما نقل لكم الله عنه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وآله إذ لله تعالى ان ينسخ من الشريعة ما شاء على ما يعلم في ذلك من وجوه الحكمة، وعموم المصلحة. وقيل: ان ذلك ورد مورد الوعظ لهم بانه: اذا كان لا يؤخذ الانسان إلا بعمله فينبغي ان تحذروا على انفسكم، وتبادروا بما يلزمكم، ولا تتكلوا على فضائل الاباء والاجداد فان ذلك لا ينفعكم اذا خالفتم امر الله فيما اوجب عليكم.
والمعنى بقوله تلك امة قد خلت على قول قتادة والربيع ابراهيم عليه السلام ومن ذكر معه. وعلى قول الجبائي، وغيره: من سلف من آبائهم الذين كانوا على ملتهم اليهودية والنصرانية. وقد بينا فيما مضى أن الأمة الجماعة التي تؤم جهة واحدة كأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) التي تؤم العمل على ما دعا اليه. وكذلك أمم سائر الانبياء (صلى الله عليه وسلم) والخلاء الفراغ يقال: فرغ من عمله، وفرغ من مكانه. وانما قيل لما مضى خلا، لانه خلا منه مكانه. والكسب الفعل الذي يجرّ لفاعله نفعاً او يدفع به ضرراً. وانما قيل كسب السيئة، لانه اجلب النفع عاجلا.
وقوله: { ولا تسألون } معناه لا تطالبون. والسؤال الطلب. وهو ايضاً الاخبار الذي اقتضاه ما تقدم من الكلام أي لا يقال لكم لم عصي آباءكم. وانما يقال لكم لم عصيتم ولم ظلمتم.