التفاسير

< >
عرض

كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ
١٥١
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
التشبيه بقوله { كما أرسلنا } يحتمل أمرين:
احدهما - ان النعمة في أمر القبلة كالنعمة بالرسالة، لان الله لطف بعباده بها على ما يعلم من المصلحة، ومحمود العاقبة.
الثاني - الذكر الذي أمر الله به كالنعمة بالرسالة فيما ينبغي ان يكون عليه من المنزلة في العظم والاخلاص لله، كعظم النعمة. وهو على نحو قوله:
{ كما أحسن الله إليك } والعرب تقول: الجزاء بالجزاء، فسمي الاول باسم الثاني للمقابلة، والتشبيه لكل واحد منهما بالآخر.
الاعراب:
و (ما) في قوله: { كما } مصدرية. كأنه قال: كارسالنا فيكم ويحتمل أن تكون كافة قال الشاعر:

أعلاقة أم الوليد بعدما أفنان رأسك كالثغام المخلس

لانه لا يجوز كما زيد يحسن اليك, فأحسن الى أبنائه. والعامل في قوله { كما } يجوز أن يكون أحد أمرين:
أحدهما - الفعل الذي قبله: وهو قوله: { ولأتم نعمتي عليكم } { كما أرسلنا فيكم } والقول الثاني - الفعل الذي بعده: وهو فاذكروني { كما أرسلنا }. والأول أحد قولي الفراء، والزجاج واختاره الجبائي. والثاني قول مجاهد والحسن، وابن ابي يحتج بأحد قولي الفراء، والزجاج، واختيار الزجاج. وقال الفراء: لا ذكروني جوابان: احدهما - { كما }. والآخر - أذكركم، لانه لما كان يجب عليهم الذكر ليذكرهم الله برحمته، ولما سلف من نعمته، أشبه - من هذا الوجه - الجواب، لانه يجب للثاني فيه بوجوب الأول.
المعنى:
وقوله: { يزكيكم } معناه يعرضكم لما تكونوا به أزكياء من الأمر بطاعة الله واتباع مرضاته. ويحتمل أيضاً أن يكون المراد: ينسبكم إلى أنكم أزكياء شهادة لكم بذلك، ليعرفكم الناس به، وإنما قال: { الكتاب والحكمة } لاختلاف الفائدة في الصفتين وإن كانتا لموصوف واحد. كقولك: هو العالم بالأمور القادر عليها. ويحتمل أن يكون أراد بالكتاب: القرآن، وبالحكمة: الوحي من السنة.
والكاف في قوله: { فيكم } خطاب للعرب - على قول جميع أهل التأويل.
وقوله: { ويعلمكم } معناه ما لا سبيل لكم إلى علمه إلا من جهة السمع، فذكرهم الله بالنعمة فيه. ويكون التعليم لما عليه دليل من جهه العقل تابعاً للنعمة فيه. ولا سيما اذا أوقع موقع اللطف.
ومعنى الارسال: هو التوجه بالرسالة والتحميل لها ليؤدي الى من قصد، فالدّلالة والرّسالة جملة مضمنة بمن يصل اليه ممن قصد بالمخاطبة.
والتلاوة: ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظام متسق في الرتبة.
والتزكية: النسبة الى الازدياد من الأفعال الحسنة التي ليست بمشوبة. ويقال أيضاً على معنى التعريض لذلك بالأستدعاء اليه واللطف فيه.
والحكمة: هي العلم الذي يمكن به الافعال المستقيمة.