التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ
١٦٥
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة:
قرأ نافع وابن عامر، وأبو جعفر من طريق النهرواني "ولو ترى" بالتاء. الباقون بالياء. وقرأ أبوجعفر، ويعقوب "إن القوة لله، وإن الله" بكسر الهمزة فيهما. الباقون بفتحهما. وقرأ ابن عامر وحده "إذ يرون" بضم الياء. والباقون بفتحها.
اللغة:
الانداد، والامثال، والاشباه نظائر، والانداد واحدها ندّ. وقيل الاضداد. وأصل النّد المثل المناوي والمراد به هنا قال قتادة، والربيع، ومجاهد، وابن زيد. وأكثر المفسرين آلهتهم التي كانوا يعبدونها. وقال السدي: رؤساؤهم الذين يطيعونهم طاعة الارباب من الرجال. وقوله تعالى { يحبونهم } فالمحبة هي الارادة إلا ان فيها حذفاً، وليس ذلك في الارادة فاذا قلت: أحب زيداً معناه أريد منافعه أو مدحه، وإذا أحب الله تعالى عبداً فمعناه أنه يريد ثوابه وتعظيمه، وإذا قال: أحب الله معناه أريد طاعته واتباع أوامره، ولا يقال: أريد زيداً، ولا أريد الله ولا إن الله يريد المؤمن، فاعتيد الحذف في المحبة، ولم يعتد في الارادة. وفي الناس من قال: المحبة ليست من جنس الارادة، بل هي من جنس ميل الطبع، كما تقولون: أحب ولدي أي يميل طبعي اليه وذلك مجاز، بدلالة أنهم يقولون: أحببت أن أفعل بمعنى أردت أن أفعل. وضدّ الحب البغض. وتقول: أحبه حبّا، وتحبب تحبباً، وحببه تحبيباً، وتحابا تحاباً. والمحبة: الحب. والحب واحده حبة من بر، أو شعير، أو عنب. أو ما أشبه ذلك. والحبة بزور البقل. وحبة القلب ثمرته. والحب: الجرة الضخمة. والحب القرط من حبة واحدة. وحباب الماء: فقاقيعه. والحباب الحبة. وأحب البعير إحباباً: إذا برك، فلا يثور، كالحران في الخيل، قال أبوعبيدة: ومنه قوله تعالى
{ أحببت حب الخير عن ذكر أبي } أي لصقت بالأرض لحب الخير، حتى تأتيني الصلاة. وأصل الباب: الحب ضد البغض.
المعنى:
وقوله: { كحب الله } قيل في هذه الاضافة ثلاثة أقوال: أحدها - كحبكم الله. والثاني - كحبهم الله. والثالث - كحب الله الواجب عليهم لا الواقع منهم، كما قال الشاعر:

فلستُ مسلماً ما دمت حياً على زيد بتسليم الأمير

أي مثل تسليمي على الامير. فان قيل: كيف يحب المشرك - الذي لا يعرف الله - شيئاً كحبه لله؟ قلنا من قال: إن الكفار يعرفون الله قال: كحبه لله. ومن قال: هم لا يعرفون الله - على ما يقوله أصحاب الموافاة - قال: معناه كحب المؤمنين لله أو كالحب الواجب عليهم.
وقوله تعالى: { والذين آمنوا أشد حباً لله } قيل في معناه قولان:
أحدهما - { أشد حبّاً لله } للاخلاص له من الاشراك به.
والثاني - لانهم عبدوا من يملك الضر والنفع، والثواب، والعقاب، فهم أشد حباً لله بذلك ممن عبد الأوثان.
الاعراب:
ويجوز فتح { أن } من ثلاثة أوجه، وكسرها من ثلاثة أوجه - مع القراءة بالياء -:
أولها - يجوز فتحها بايقاع الفعل عليها بمعنى المصدر. وتقديره { ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب } قوة الله وشدة عذابه.
الثاني - أن يفتح على حذف اللام كقولك: لأن القوة لله.
الثالث - على تقدير لرأوا أن القوة لله، على الاتصال بما حذف من الجواب. والأول من الكسر على الاستئناف. الثاني - على الحكاية مما حذف من الجواب كأنه قيل: لقالوا إن القوة لله جميعاً. الثالث - على الاتصال مما حذف من الحال، كقولك: يقولون: إن القوة لله.
ومن قرأ بالتاء، يجوز ايضاً في الفتح ثلاثة أوجه. وفي الكسر ثلاثة أوجه: أول الفتح - على البدل، كقولك: ولو ترى الذين ظلموا أن القوة لله عليهم، وهو معنى قول الفراء. الثاني - لأن القوة لله. الثالث - أرأيت أن القوة لله. قال أبو علي الفارسي: من قرأ بالتاء لا يجوز أن تنصب أن إلا بالفعل المحذوف - في الجواب. وأما البدل فلا يجوز، لأنها ليست { الذين ظلموا } ولا بعضهم ولا مشتملة عليهم، هذا إن جعل الرؤية من رؤية البصر. وإن جعلها من رؤية القلب، فلا يجوز ايضاً، لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى, وقوله تعالى: { إن القوة لله } لا يكون الذين ظلموا، فلم يبق بعد ذلك إلا أنه ينتصب بفعل محذوف. والكسر مع التاء مثل الكسر مع الياء. واختار الفراء - مع الياء - الفتح، ومع التاء الكسر، لأن الرؤية قد وقعت على الذين، وجواب لو محذوف، كأنه قيل: لرأوا مضرة اتخاذهم للأنداد، ولرأوا أمراً عظيما لا يحصر بالاوهام. وحذف الجواب، يدل على المبالغة، كقولك: لو رأيت السياط تأخذ فلاناً.
والضمير في قوله { يتخذ } عائد على لفظ من. وفي قوله يحبونهم على معنى من، لأن من مبهم، فمرة يحمل الكلام منها على اللفظ، وأخرى على المعنى، كما قال:
{ { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً } }- بالتاء، والياء - حملا لمن على اللفظ والمعنى.
واتصلت الآية بما قبلها اتصال انكار، كأنه قال: أبعد هذا البيان والأدلة القاهرة على وحدانيته، يتخذون الأنداد من دون الله.
ومن قرأ قوله { ولو ترى } - بالتاء - جعل الخطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) والمراد به غيره، كما قال:
{ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } }. والذين على هذا في موضع نصب. ومن قرأ بالياء يكون الذين في موضع رفع بأنهم الفاعلون.
وقوله { جميعاً } نصب على الحال؛ كأنه قيل: إن القوة لله ثابته لله في حال اجتماعها. وهي صفة مبالغة بمعنى إذا رأوا مقدورات الله فيما تقدم الوعيد به، علموا أن الله قادر لا يعجزه شيء.
والشدة قوة العقد، وهو ضد الرخاوة. والقوة والقدرة واحد. و { ترى } في قوله تعالى: { ولو ترى } من رؤية العين بدلالة أنها تعدت الى مفعول واحد، لان التقدير ولو ترون أن القوة لله جميعاً أي ولو يرى الكفار ذلك.
ومن قرأ - بالتاء - يقوى انها المتعدية الى مفعول واحد، ويدل على ذلك ايضاً قوله { إذ يرون العذاب }، وقوله: { وإذا رأى الذين ظلموا العذاب } { فلا يخفف عنهم }، فتعدى الى مفعول واحد. فان قيل: كيف قال: { ولو يرى الذين ظلموا } وهو أمر مستقبل، وإذ لما مضى؟ قيل: إنما جاء على لفظ المضي لأرادة التقريب في ذلك، كما جاء
{ وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } وعلى هذا جاء في هذا المعنى أمثلة الماضي كقوله: { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة } }. هكذا ذكره أبو علي الفارسي قال: وعلى هذا المعنى جاء في مواضع كثيرة في القرآن، كقوله تعالى { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم } { ولو ترى إذ وقفوا على النار } { { ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم } { { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت } { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } }. كذلك هذه الآية.