التفاسير

< >
عرض

فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٨١
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

الهاء في قوله: { فمن بدله } عائدة على الوصية: وانما ذكرّ حملا على المعنى، لأن الايصاء والوصية واحد. والهاء في قوله: { فإنما إثمه } عائدة على التبديل الذي دلّ عليه قوله: { فمن بدله }. وقال الطبري: الهاء تعود على محذوف، لأن عودها على الوصية المذكورة لا يجوز، لأن التبديل إنما يكون لوصية الموصي. فأما أمر الله عز وجل بالوصية، فلا يقدر هو، ولا غيره أن يبدله قال الرماني: وهذا باطل، لأن ذكر الله الوصية إنما هو لوصية الموصي، فكأنه قيل: كتب عليكم وصية مفروضة عليكم، فالهاء تعود إلى الوصية المفروضة التي يفعلها الموصي.
وقوله تعالى: "فمن بدله" فالتبديل: هو تغيير الشيء عن الحق فيه. فأما البدل، فهو وضع شيء مكان آخر. ومن أوصى بوصية في ضرار فبدلها الوصي، لا يأثم. وقال ابن عباس: من وصى في ضرار لم تجز وصيته لقوله
{ غير مضار } }. والوصي إذا بدّل الوصية لم ينقص من أجر الموصي شيء، كما لو لم تبدّل، لأنه لا يجازى أحد على عمل غيره، لكن يجوز أن يلحقه منافع الدعاء، والاحسان الواصل الى الموصى له، على غير وجه الأجر له، لكن على وجه الجزاء لغيره ممن وصل إليه ذلك الاحسان، فيكون ما يلحق المحسن إليه من ذلك أجراً له، يصح بما يصل الى المحسن إليه من المنفعة. وفي الآية دلالة على بطلان مذهب من قال: إن الطفل يعذب بكفر أبويه، لأن الله تعالى بين وجه العدل في هذه. وقياس العدل في الطفل ذلك القياس، فمن هناك دل على الحكم فيه. وفيها ايضاً دلالة على بطلان قول من يقول: إن الوارث اذا لم يقبض دين الميت أنه يؤخذ به في قبره أو فى الآخرة، لما قلنا من أنه دلّ على أن العبد لا يؤآخذ بجرم غيره وأن لا إثم عليه بتبديل غيره. وكذلك لو قضى عنه الوارث من غير أن يوصي به الميت لم يزل عقابه بقضاء الوارث عنه إلا أن يتفضل باسقاطه عنه.
وقوله تعالى: { إن الله سميع عليم } معناه سميع لما قاله الموصى من العدل؛ أو الجنف، عليم بما يفعله الوصي من التبديل أو التصحيح، فيكون ذكر ذلك داعياً الى طاعته.