التفاسير

< >
عرض

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ
١٩٨
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذه الآية فيها تصريح بالاذن في التجارة، ونحوها في حال الاحرام، لأنهم كانوا يتحرّجون بذلك في صدر الاسلام, على قول ابن عباس، وابن عمر، ومجاهد، وعطا، والحسن، وقتادة، وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله (ع).
اللغة والاعراب:
والجناح هو الجرح في الدين، وهو الميل عن الطريق المستقيم، وأصله الميل - على ما مضى القول فيه -.
وقوله: { فإذا أفضتم من عرفات } يعني دفعتم من عرفة الى المزدلفة عن اجتماع، كفيض الأناء عن امتلائه، تقول: فاض الماء يفيض فيضاً: إذا انصبّ عن امتلاء، وأفاض إفاضة في الحديث: إذا اندفع فيه. واستفاض الخبر إذا شاع. والافاضة الضرب بالقداح. وفيض الصدر بما فيه: البوح به. والافاضة: امتلاء الحوض حتى يفيض. ورجل فيّاض: جواد. ودرع مفاضة، وفيوض إذا كانت واسعة. وفيض البصرة: نهرها. وأصل الباب: الفيض: الانصباب عن الامتلاء.
و { عرفات } صرفت وإن كان فيها التعريف، والتأنيث، لأنها على حكاية الجمع، كما يجب أن يحكى المذكر إذا سمي به الجمع، ويجوز فيها ترك الصرف تشبيهاً بالواحد فيسقط التنوين ويسقط الاعراب كما كان في الجمع كقول امرء القيس:

تنوَّرتُها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظرٌ عالي

والأول اختيار النحويين، وقد أجاز بعضهم فتح التاء بغيرتنوين على قياس طلحة، وأنشدوا البيت على ثلاثة أوجه (أذرعات) - منوناً مكسوراً - ومجروراً بلا تنوين - ومفتوحاً بلا تنوين -. وأنكر الزجاج الوجه الثالث.
والمشعر هو معلم المتعبد. وقال المبرد: المشعر - بفتح الميم والعين - مكان الشعور، كالمدخل لمكان الدخول. والمشعر - بكسر الميم - الحديدة التي يشعر بها أي يعلم بها. فكسرت، لانها آلة كالمخرز، والمقطع، والمخيط. وقال: الكسائي: لا فرق بين الفتح والكسر.
المعنى:
و { المشعر الحرام } هو المزدلفة: وهو جُمع بلا خلاف. وسميت عرفات عرفات، لأن إبراهيم (ع) عرفها بما تقدم له من النعت لها، والوصف، على ما روي عن علي (ع) وابن عباس. وقال عطا، والسدي، وقد روي ذلك في أخبارنا: أنها سميت بذلك، لأن آدم وحواء اجتمعا فيه، فتعارفا بعد أن كانا افترقا. وقيل: سميت عرفات لعلوّه وارتفاعه، ومنه عرف الديك.
ووجه التشبيه في قوله { واذكروه كما هداكم } أن الذكر بالشكر، والثناء يجب أن يكون بحسب الانعام، والهداية في العظمة لأنه يجب أن يكون الشكر كالنعمة في عظم المنزلة كما يجب أن يكون على مقدارها لو صغرت النعمة، ولا يجوز التسوية في الشكر بين من عظمت نعمته ومن صغرت.
الاعراب:
وقوله: { وإن كنتم من قبله لمن الضالين } معنى (إن) ها هنا المخففة من الثقيلة بدلالة دخول لام الابتداء معها، وإذا خففت لم تعمل. وجار دخولها على الاسم، والفعل، كقوله تعالى:
{ { وإن كل لما جميع لدينا محضرون } }. وأما { كنتم } فلا موضع لها من الاعراب، لأنها بعد حرف غير عامل. وليس { لأن } موضع كما ليس لها موضع في الابتداء. وإنما هذه الواو عطف جملة على جملة.
وروى جابر عن أبي جعفر (ع) قال: { لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربكم } معناه أن تطلبوا المغفرة.