التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ
٢٠٧
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

النزول:
قال قتادة: نزلت هذه الآية في المهاجرين والأنصار. وقال عكرمة: نزلت في أبي ذرّ الغفاري: جندب بن السكن، وصهيب بن سهان، لأن أهل أبي ذر أخذوا أبا ذر، فانفلت منهم، فقدم على النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلما رجع مهاجراً عرضوا له، وكان يمر الظهران، فانفلت أيضاً منهم حتى قدم النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلما رجع مهاجراً عرضوا له، فانفلت حتى نزل على النبي (صلى الله عليه وسلم). فأما صهيب، فانه أخذه المشركون من أهله فافتدى منهم بماله ثم خرج مهاجراً، فأدركه منقذ بن ظريف بن خدعان، فخرج له مما بقي من ماله، وخلّى سبيله.
وروي عن أبي جعفر (ع) أنه قال: نزلت في علي (ع) حين بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما أرادت قريش قتله، حتى خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفات المشركين أغراضهم، وبه قال عمر بن شبه.
المعنى:
وروي عن علي (ع)، وابن عباس: أن المراد بالآية: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وقال الحسن: هي عامة في كل من يبيع نفسه لله بأن يقيم نفسه في جهاد عدوّه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وغير ذلك مما أمر الله به، وتوّعد على خلافه.
وقوله تعالى: { يشري نفسه } معناه يبيع نفسه، وقد بينا فيما مضى أن الشراء يكون بمعنى البيع، كما قال:
{ وشروه بثمن بخس } أي باعوه وقال الشاعر:

وشريت برداً ليتني من بعد برد كنت هامه

أي بعت. والشراء استبدال العوض بالثمن. وشرى باع واشترى ابتاع. وشرا ها هنا مجاز، لأن أصله في الأثمان من العين، والورق، لذلك لا يقال: باع متاعه إذا تصدق به؛ لأن الأظهر إذا أطلق أنه باعه بالثمن.
وقوله تعالى: { ابتغاء مرضات الله } معناه طلب مرضات الله، ومثله
{ { حذر الموت } قال الشاعر:

وأغفرُ عوراء الكريم ادّخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما

ولا يجوز قياساً على ذلك فعله زيداً أي لزيد. ويجوز فعله خوفاً، لأن في ذكر المصدر دليلا على العرض الداعي الى الفعل، وليس كذلك ذكر زيد، والمرضاة والرضى واحد وهو ضد السخط.
قوله تعالى: { والله رءوف بالعباد } قد بينا فيما مضى معنى الرؤف. والخلاف فيه، ومعناه ذو رحمة واسعة بعبده الذي شرى نفسه له في جهاد من جاهد في أمره من أهل الشرك، والفسوق. وإنما ذكر الرؤوف بالعباد هنا للدلالة على أنه انما رّغب العبد في بيع نفسه بالجهاد في نفسه رأفة به، وحسن نظر له، ليبتليه من الثواب المستحق على عمله ما لا يجوز أن يصل إليه في جلالته إلا بتلك المنزلة.