التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٢٥٠
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اللغة:
البروز الظهور للقتال، ومنه البراز، وهي الأرض: الفضاء. تقول: برز يبرز بروزاً، وبارزه مبارزة، وتبارز تبارزاً، وبرز تبريزاً، وتبرّز تبرزاً. ورجل برز، وامرأة برزة أي ذو عفة وفضل، لظهور ذاك فيها. والحنود الجموع التي تعدّ للقتال واحدها جند، مأخوذ من الجند وهو الغلظ.
وقوله: { ربنا أفرغ } فالافراغ: صب السيال على جهة اخلاء المكان منه وأصله الخلو. وإنما قيل { أفرغ علينا صبراً } تشبيهاً بتفريغ الاناء من جهة أنه نهاية ما توجبه الحكمة، كما أنه نهاية ما في الواحد من الآنية. وتقول فرغ يفرغ فراغاً، وأفرغ إفراغاً، وفرّغ تفريغاً وتفرّغ تفرغاً، واستفرغ استفراغا، وافرغت افتراغاً: إذا صببت عليك الماء. وقوله:
{ سنفرغ لكم أيها الثقلان } معناه سنعمد، لأنه عمل مجرد من غير شاغل، ومنه قوله: { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } أي خالياً من الصبر والفرغ مفرغ الدلو، وهو خرفة الذي يأخذ الماء، لأنه يفرغ منه الماء { وأفرغ علينا صبراً } أي صبّ. ودرهم مفرغ أي مصبوب في قالب. وضربة فريغة: واسعة. وفرغ الاناء، وفرغ الرجل من عمله. وأصل الباب الفراغ الخلوّ.
وقوله: { وثبت أقدامنا } تثبيت الأقدام يكون بشيئين: أحدهما - بتقوية قلوبهم. والثانية - بالقاء الرعب في قلوب أعدائهم حتى يظهر منهم الخور في قتالهم وقيل باختلاف كلمتهم حتى يقع التخاذل منهم، وكذلك الصبر، لأنه من فعل العبد كما أن الثبوت في الحرب من فعله، لأنه يجازى عليه، فأما النصر، ففعل الله تعالى، والصبر: حبس النفس عما تنازع إليه من الفعل. وها هنا حبسها عما تنازع إليه من الفرار من القتال. والتثبيت تمكين الشيء في مكانه بلزومه إياه. وقد يقال ثبت يثبت ثبوتاً، وأثبته إثباتاً وتثبت تثبتاً، واستثبت استثباتاً، وثبته تثبيتاً. ورجل ثبت المقام: إذا كان شجاعاً لا يبرح موقفه، وطعنه فأثبت فيه الرمح أي نفذ فيه، لأنه يلزم فيه. وأثبت حجته إذا أقامها. والقول الثابت الصحيح يلزم العمل عليه، ومنه قوله: { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } أي يؤدبهم به ليلزموا طريق الحق فيه. وفلان ثبت أي ثقة مأمون فيما روى. وأثبت الحسنات في الدفتر، لأنك ضبطه، وأصل الباب اللزوم.
وقوله: { فانصرنا } النصر: هو المعونة على العدوّ، ويكون ذلك بأشياء منها بزيادة القوة، ومنها الرعب من الملاقاة، ومنها الاطلاع على العورة، ومنها تخيل الكثرة، ومنها اختلاف الكلمة التي تقع بلطف في إعطاء النصر، والفرق بين النصر، واللطف: أن كل نصر من الله، فهو لطف، وليس كل لطف نصراً، لأن اللطف يكون في إحدى طاعاته بدلا من معصيته، وقد يكون في فعل طاعة من النوافل فأما العصمة فلا تكون إلا من معصية.